رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

كانت مصر القديمة بمثابة ما يسمى دولة إمداد، فكانت المنتجات الاستهلاكية تسلم إلى مؤسسات الدولة أو المعابد، والتى كانت بدورها تقوم بتوزيع الطعام والبضائع التموينية الأخرى على السكان، على أساس من التقديم العادل لاحتياجات كل فرد.

وكان بالامكان الاتجار بالأسواق المحلية فى البضاعة الزائدة، وهو نظام ساعد على ملء الفراغات فى انسياب حركة الإمداد.

وكانت حركة التجارة بين المناطق تدار عن طريق المؤسسات، كوكلاء فى عمليات تبادل البضائع.

وكانت مهمتهم هى الاتجار فى فائض المؤسسات التى يمثلونها، مقابل أكبر قدر من البضائع القيمة. ولم يظهر التجار الذين كانوا يعملون للتربح الخاص بمصر القديمة إلا فى الدولة الحديثة.

نظام المقايضة كان هو أقدم تجارة فى السوق فى اقتصاد مصر القديمة، فهو نظام ينطوى على الحصول على سلعة مقابل سلعة أخرى، وليس نظير مبلغ من المال.

وطبيعة هذا النظام تجعل من الصعب القطع بالطرف البائع أو المشترى، فالباعة يظهرون عادة جالسين على الأرض أو على مقعد منخفض وهم ينادون على بضاعتهم، بينما يظهر المشترون واقفين، وغالبًا ما يحملون كيس تسوق متدليًا من الكتف، مستجيبين بما يمكن لهم تقديمه فى المقابل.

تعرض الأطعمة والسلع الرئيسية فى السوق، مثل الخبز والجعة والسمك الطازج والجاف والخضراوات. وتقدم فى المقابل كسلع للمقايضة الصنادل المصنوعة من الجلد أو المراوح الكبيرة للتهوية على اللهب، وعصى المشى والزينة، وقطع الأثاث، والأوانى الخزفية وسنانير صيد الأسماك، والمراهم والزيوت.

كان فى مصر القديمة يطبق معياران للقيمة لتحديد أسعار السلع، أحدهما «الحلقات» التى تطور من زراعة الغلال، وكان يستخدم لتحديد كمية السلع التى تقدم أجرًا. والآخر هو «الشات» والذى كان يمثل المعيار المطلق للقيمة.

كان من وراء الملوك والملكات فى مصر القديمة، جنود مجهولون، ومن وراء تلك الهياكل والقصور والأهرام عمال المدن وزراع الحقول. ويصفهم «هيرودوت» كما وجدهم نحو عام 450 قبل الميلاد. وصفاً تسوده روح التفاؤل فيقول: «إنهم يجنون ثمار الأرض بجهد أقل مما يبذله غيرهم من الشعوب لأنهم لا يضطرون إلى تحطيم أخاديد الأرض بالمحراث أو إلى عزقها أو القيام بعمل كالذى يضطر غيرهم من الناس إلى القيام به لكى يجنوا من ورائه محصولاً من الحَبِّ، وذلك بأن النهر إذا فاض من نفسه وروى حقولهم، ثم انحسر مأواه عنها بعد ريها، زرع كل رجل أرضه وأطلق عليها خنازيره، فإذا ما دفنت هذه الخنازير الحب فى الأرض بأرجلها انتظر حتى يحين موعد الحصاد، ثم جمع المحصول.

كذلك أُنِّست القرود، ودُربت على قطف الثمار من الأشجار، وكان النيل الذى يروى الأرض يحمل لها فى أثناء فيضانه مقادير كبيرة من السمك يتركها فى المناقع الضحلة، وكانت الشبكة التى يصطاد بها السمك هى بعينها التى يحيط بها رأسه أثناء الليل ليتقى بها شر لدغ البعوض. على أنه لم يكن هو الذى يفيد من سخاء النهر، ذلك بأن كل فدان من الأرض كان ملكاً لفرعون لا يستطيع غيره من الناس أن يفعلوا به إلا بإذن منه، وكان على كل زارع أن يؤدى له ضريبة سنوية عينية تتراوح ما بين عُشر المحصول وخُمسه، وكان أمراء الاقطاع وغيرهم من الأثرياء يملكون مساحات واسعة من الأرض.

كانت معيشة الفلاحين القدماء معيشة ضنكاً، فأما من كان منهم مزارع حر فلم يكن يخضع إلا للوسيط والجابى، وكان هذان الرجلان يعاملانه على أساس المبادئ الاقتصادية التى ثبتت تقاليدها على مدى الأيام.

وقد كتب أحد الظرفاء عن حياة الفلاح القديم المغلوب على أمره قائلاً: «هلا استعدت فى خيالك صورة الزارع حين يُجبَى منه عُشر حبِّه؟ لقد أتلفت الديدان نصف القمح، وأكلت أفراس البحر ما بقى له منه، وهاجمتها فى الحقول جماعات كبيرة من الجرذان، ونزلت بها الصراصير، والماشية النهمة، والطيور الصغيرة تختلس منه الشىء الكثير، وإذا غفل الفلاح لحظة عما بقى له فى الأرض، عدا عليه اللصوص.

لقد كان الفلاح القديم مسخراً فى العمل لخدمة الملك، يطهر قنوات الرى، وينشئ الطرق، ويحرث الأرض الملكية، ويجر الحجارة الضخمة لإقامة المسلات وتشييد الأهرام والهياكل والقصور.