رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صواريخ

اليوم كانت ذكرى رحيل زعيم الأمة سعد زغلول فى 23 أغسطس عام 1927، وفى ذات اليوم والشهر، رحل رفيق كفاحه الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس عام 1965، ليسطرا معًا أعظم رحلة كفاح لتيار الحركة الوطنية المصرية، الذى رسخ لأركان الدولة الوطنية المصرية، وأسسا لأهم حقبة ليبرالية عرفتها مصر فى مطلع القرن الماضى، بعد أن رسخت هذه الحقبة لقيم المواطنة والتعددية السياسية والحريات العامة وحرية الصحافة وحقوق العمال ومجانية التعليم وغيرها من القيم التى سطرها دستور 1923 لغرس الانتماء الوطنى.. كانت عبقرية سعد زغلول فى رحلة كفاحه التى بدأت بتأثره بالزعيم أحمد عرابى ثم مصطفى كامل ومحمد فريد، تكمن فى اكتشافه الأسباب وراء عدم نجاح المحاولات الوطنية السابقة، وهى غياب قوة الجماهير، ولذلك عمد إلى استغلال كل المواقع التى عمل بها منذ أن بدأ قاضيا ثم وزيرا للمعارف وأيضا وزيرا للحقانية إلى عملية التمصير للحفاظ على هوية الشعب فى مواجهة الثقافة الانجليزية، وعندما زادت الجرائم الانجليزية بسبب الحرب العالمية الأولى ومصادرة الحبوب الزراعية والدواب وإجبار المصريين على التجنيد فى الحرب، قرر سعد اقتناص هذه الفرصة لإشراك المصريين فى قضيتهم، وقرر الحديث باسم الشعب المصرى باعتباره وكيلا للجمعية التشريعية وكانت المواجهة التاريخية فى 13 نوفمبر 1918 مع السير ريجنالد ونجت المندوب السامى البريطانى.

< قبل أعوام قليلة وتحديدًا عام 2019، وبمناسبة مئوية ثورة 19، كشفت الوثائق البريطانية عن كثير من الأسرار التى صاحبت هذه الثورة الكبرى ذات التأثير البالغ فى الشرق ومعظم دول العالم، وكان من بين هذه الوثائق الاعتراف بعبقرية سعد زغلول فى استدراج بريطانيا العظمى إلى الصدام مع الشعب المصرى، كما كشفت عن قدرة سعد على توحيد صفوف أمته بشكل فريد وغرس الروح الوطنية فى كل طوائف الشعب المصرى، إلى حد القضاء على النزاعات الطائفية والعرقية والطبقية، وبدا ذلك واضحًا مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة بشعار الدين لله والوطن للجميع، وانضمام شتى الشرائح إلى المظاهرات التى فجرها طلبة الحقوق، ثم امتداد هذه المظاهرات بعد ساعات معدودة إلى كل ربوع القطر المصرى، ولم تجد بريطانيا سبيلا إلى الحوار مع سعد ورفاقه والاعتراف باستقلال مصر فى 28 فبراير 1922، وسار الزعيم مصطفى النحاس على نهج سعد، وخاض المعارك مع الإنجليز بسبب استمرار قوات بريطانية فى مدن القناة تحت ذريعة حماية المجرى الملاحى العالمى، وقرر النحاس إلغاء معاهدة الصداقة بين مصر وبريطانيا المعروفة بمعاهدة 36، وأطلق يد الفدائيين ودعمهم فى مواجهة القوات البريطانية، وبسبب شعبية الوفد والنحاس الجارفة، قامت بريطانيا بالاتفاق مع جماعة الإخوان المسلمين بإشعال حريق القاهرة فى 26 يناير عام 1952 وهو اليوم التالى مباشرة للمعركة الباسلة للشرطة المصرية مع القوات البريطانية فى الإسماعيلية بتوجيهات فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية يوم 25 يناير عام 1952 التى سطر فيها رجال الشرطة المصرية أنصع البطولات.

< الحقيقة أن زعماء الوفد التاريخيين قادوا تيار الحركة الوطنية المصرية باقتدار، ورسخوا لقيم يفخر بها الشعب المصرى وكثير من شعوب العالم التى كانت تعيش تحت وطأة الاستعمار، وقد اتخذ الزعيم الهندى غاندى من سعد زغلول مثالا يحتذى به وسار على دربه فى تحرير الهند، وقال: سعد زغلول أستاذي، وسعد ليس للمصريين وحدهم، سعد لنا جميعًا، وكثير من الثوار والزعماء فى شتى دول العالم اقتدوا بسعد والنحاس.. ويحضرنى موقف فى عام 1992 أثناء الزيارة إلى المملكة المغربية ضمن وفد مصرى يترأسه الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، وأثناء لقاء الملك الحسن الثانى رحمه الله، وعندما عرف أننى صحفى بالوفد، سألنى عن فؤاد باشا سراج الدين وطلب منى نقل تحياته إليه، واستطرد موجها حديثه للجميع: الوفد مفجر الثورات الوطنية فى العالم، وله الفضل فى دعم كل حركات التحرر الوطنى فى الدول العربية" وتكرر نفس الموقف بعدها بعامين فى 1994 مع المسئولين التوانسة أثناء زيارة لنا برفقة المرحوم الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء إلى تونس، وفوق هذا وذاك فإن تلك الحقبة الليبرالية ودستور 23 قد رسخت قيمة عظيمة وعقيدة مصرية بقيمة الدولة الوطنية والحفاظ على هويتها، وهو الأمر الذى فجر الإبداعات المصرية فى السياسة والاقتصاد والثقافة والفن والأدب وشكلت قوة ناعمة مصرية هائلة تحمى هذا الوطن فى مواجهة كل التحديات والمخاطر، ولم يكن خروج المصريين فى أكبر حشد شعبى عرفته البشرية فى 30 يونيو إلا تأكيدا لهذا المعنى وترسيخًا لهذه القيم التى يتنفسها المصريون.

رحم الله زعماء الوفد سعد والنحاس وسراج الدين.

 

وحفظ الله مصر.