عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

وصف المفكر الأمريكى «نعوم تشومسكى» عالم ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وما سمى بانتهاء الحرب الباردة ب»عصر الإمبريالية الجديدة»، حيث غدت دول الشمال الغنية فى الغرب الأمريكى والأوروبى، تدير العالم عبر سلطة اقتصادية تتركز فى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة الجات ومجموعة الدول الصناعية الكبرى. وتعمل كل تلك المؤسسات لصالح الشركات العابرة للقارات والقوميات، وللبنوك وشركات الاستثمار العالمية، فتسير العالم فعليًا لتحقيق مصالحها، وفرض إرادتها على دول الجنوب النامية، بما يفقدها هويتها السياسية والاقتصادية. وهى إذ تفعل ذلك لا تكف عن التشدق بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث لم يكن يومًا فى صلب اهتماماتها الحقيقية تراجع الأنظمة الديمقراطية أو هدر الحقوق والحريات، إلا فى سياق توجهها لفرض عقيدتها الاقتصادية على المجتمع الدولى. 

وخلال الأيام القليلة الماضية، قدمت ردود الفعل الغربية والأمريكية على كل من انقلاب النيجر وعلى القمة الروسية الأفريقية برهانا عمليا لصدق التحليل السابق. وكما كان متوقعا، أسرعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بضغوط غربية، بفرض عقوبات على النيجر وفرض مناطق حظر جوى فوق أراضيها، فى أعقاب الانقلاب العسكرى الأخير الذى أطاح بالرئيس «محمد بازوم» الذى يوصف بأنه إحدى دعائم النفوذ الغربى فى منطقة الساحل الأفريقية، التى تضم مع النيجر كلا من الجزائر والسنغال وموريتانيا ومالى وبوركينا فاسو ونيجريا وجنوب السودان، وهى دول ترزح تحت وطأة الفقر، برغم ثرائها من الموارد الطبيعية والمعادن والنفط. وبدأ الحديث يعلو ويتصاعد فى الغرب عن ضرورة عودة النظام الديمقراطى المنتخب، حتى لو هتف المتظاهرون المؤيدون للانقلاب ضد الوجود الفرنسى، رمز دولة الاحتلال السابقة، واقتحموا السفارة الفرنسية، لتفقد فرنسا نفوذها العسكرى فى النيجر، بعدما خسرته قبل عامين فى كل من مالى وبوركينا فاسو، ولم يعد معروفا مصير القاعدة الجوية الأمريكية فى النيجر. 

بطبيعة الحال لم يكن الوجود العسكرى فى النيجر، كما هو فى غيره من دول الساحل، لحماية الديمقراطية، بل كان فى كثير من أحواله لدعم أنظمة استبدادية، من أجل حصد ثرواتها الطبيعية من اليورانيوم والنفط والفحم والذهب والفضة ونهبها. ليس هذا فقط بل سعيا كذلك لوقف الهجرة غير الشرعية من تلك الدول إلى القارة الأوروبية. أما أن يكون عدد سكان النيجر أكثر من 25 مليون نسمة، ونحو 70% منهم لا يجيدون القراءة والكتابة، فضلا عن أن نسبة من هم تحت خط الفقر تبلغ 44.5% من عدد السكان، فتلك حقائق غير مهمة لدى قوى استعمارية، تدافع عن اليورانيوم، وهى تتحصن بنظريتها الكاذبة حول الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، التى سبق لها أن أغرقت دول منطقتنا العربية بمخطط شبيه أسمته الربيع العربى، الذى أخذ أولى خطواته وياللعجب، فى شتاء عاصف!

لم يكن مفاجئا التسفيه الغربى الأمريكى والأوروبى للقمة الروسية الأفريقية فى سانت بطرسبورج، التى انتهت بتعزير التعاون بين الطرفين، استثمارا لميراث الثقة التى صنعها الموقف التاريخى الذى قام به الاتحاد السوفيتى فى دعم حركات التحرر الأفريقية، ومدها بالمال والسلاح للحصول على استقلال أوطانها. وهو موقف لازال حاضرا فى وجدان الشعوب الأفريقية، ولم يكن رفع المتظاهرين فى النيجر للأعلام الروسية سوى مظهر لتقدير ذلك الدور. 

وفى افتتاح القمة قال بوتين إن روسيا «متضامنة مع أفريقيا، للاتجاه نحو عالم متعدد الأقطاب، وترفض استغلال قضايا المناخ وحماية وحقوق الإنسان لأغراض سياسية، وتعارض سياسة إملاء الشروط التى يفرضها الغرب». ولعل فى ذلك ما يشكل دعمًا لأفريقيا ودول الجنوب لنبذ السياسات الاستعمارية، والنهوض بما تملكه من ثروات، لخدمة شعوبها.