رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نبضات

هكذا صرنا نحيا، وتحيا معنا تابوهات ثابتة، لا يبدلها تطور، ولا يؤثر بها طموح، وفى لحظات الصمت التى تحل علينا بعد عشرات السنين قد نفيق، لندرك أننا أضعنا عمرًا وأهدرنا أحلامًا، دُهست بإرادتنا تحت أقدام العادة والموروث المجتمعى، أو ربما خضعت للكسل ليس إلا.

ومن تلك التابوهات إيماننا القاطع بأن المستقبل المشرق ترسمه المهن المرموقة فحسب، وأن غيرها إنما يرزح تحت نير الفقر والعدم والانضواء؛ وهو ما تسرب جينيًا إلى أبنائنا؛ فصارت طموحاتهم تنحصر فى اللحاق بكليات القمة دون غيرها، وإن لم يستطيعوا، فالإحباط والقهر حليفهم، وربما ظل مصاحبًا لهم طيلة حياتهم.

والمحزن أن يظل هذا تفكيرنا على الرغم مما يحيط بنا من عوامل انفتاح تكنولوجى وتطلع على العالم أجمع، لكننا حتما مازلنا نترك ما ينفعنا إلى ما لا ينفعنا، فلم نستطع تطوير أفكارنا بما يبدل طموحاتنا ويغير وجهتها بما يتناسب وقدراتنا العقلية والفعلية، لا ما يرضى طموح ذوينا وتطلعاتهم الاجتماعية وربما أحلامنا غير الواقعية، فالأمر قد ينحصر جله فى فكرة، تسطع داخلنا لندرك حقيقة إمكاناتنا، ونضع أقدامنا على أرض طموحنا الحق، وهو ما لخصه الفيلسوف الألمانى فريدريك نيتشه قائلا: «كنتُ فى الظلام، لكنى خطوتُ ثلاث خطوات ووجدتُ نفسى فى الجنة؛ الخطوة الأولى كانت فكرة جيدة، والثانية كلمة جيدة والثالثة عملاً جيّدًا». 

ولا نكون مبالغين إن قلنا إن كثيرًا ممن تخلوا عن طموح غيرهم بهم، وفروا إلى موهبة تملكتهم أو قدرة عقلية ميزتهم، قد نبغوا وتخطوا أولئك الذين تشبثوا بأذيال الوجاهة الاجتماعية والمظهرية المزعومة، فها هو الأديب المصرى الأشهر، يوسف إدريس، الذى درس الطب، قد هجره بعد سنوات قلائل ليتفرغ للصحافة والأدب، ويصبح رائدًا للقصة القصيرة فى الوطن العربى. 

أما ليو تولستوى، فقد هجر دراسة القانون، واللغات الشرقية، عندما لم يعجبه أسلوب التعليم واهتم بتثقيف نفسه، ثم شرع فى الكتابة، حتى نال شهرة استحق من خلالها لقب «أبو الأدب الروسى»، وهذا فيودور دوستويفسكى مؤلف روايات «الجريمة والعقاب» و«الأبله» و«الأخوة كارامازف»، قد ترك عمله مهندسًا عسكريًا واهتم بالكتابة، والتحق بالصحافة والترجمة.

بل إن هناك من استطاع أن يبدل واقعه، ليصنع من اللاشىء آمالا ويصبح نجمًا يسكن كبد السماء، ولنا فى الكاتب الكبير إبراهيم أصلان خير مثال، فقد تخرج فى الكُتاب والتحق بمدرسة صناعية، وعمل فى بداية حياته كبوسطجى فى أحد المكاتب المخصصة للبريد، أدرجت روايته الأولى «مالك الحزين» ضمن أفضل مائة رواية فى الأدب العربى وتم تحويلها إلى فيلم «الكيت كات»، بينما لم يتلق الكاتب الكبير خيرى شلبى تعليمًا جامعيًا، وحصل على شهادة من معهد المعلمين، وعمل بكثير من الأعمال منها أنه التحق بعمال التراحيل، وعمل بائعًا سرّيحًا يبيع المنظفات، والأمشاط، وعلب الكبريت، وإبر الخياطة فى الترامات، وها هو الآن اسم خيرى شلبى ملء السمع والبصر، له سبعون كتابًا، أبرزها ما تحول لمسلسل «الوتد».

فيما عملت الروائية الإنجليزية أجاثا كريستى خلال إحدى فترات حياتها مساعد صيدلانى، وكانت لها معرفة واسعة بأنواع السموم ومفعولها. ثم تطوعت للعمل فى مستشفى خلال الحرب العالمية الأولى ودرست الصيدلة وساهمت خبرتها فى هذا المجال فى صياغة العديد من رواياتها الخاصة بالجرائم، لتصبح رائدة لأدب الجريمة فى العالم، بينما نرى ستيفن كينج، كاتب روايات رعب أمريكى، قد عمل بوابًا فى مدرسة ثانوية، وقد أوحت له جولاته التفقدية فى ممرات المدرسة بكتابة مشاهد من روايته «كارى» التى حققت له شهرة واسعة، ثم تحولت إلى فيلم بالعنوان نفسه. 

إذن فإن أولى خطوات النجاح هى الوقوف على حقيقة إمكاناتنا، والإيمان بها، مهما بدت للآخرين غير مجدية، فربما بحماس يسكننا وإرادة تتملكنا يمكننا أن نفعل ما عجز عنه غيرنا، من يدرى؟!