كاريزما
منذ خمسين عامًا صدر كتاب (لغتنا الجميلة) وفيه جمع الشاعر الراحل فاروق شوشة (٩ يناير ١٩٣٦- ١٤ أكتوبر ٢٠١٦) جهدًا مكثفًا لست سنوات بدأ بها أشهر وأعمق برنامج يهتم بلغتنا العربية، هو برنامج (لغتنا الجميلة) وظهرت أولى حلقاته فى العاشرة وخمسين دقيقة مساء يوم الثالث من سبتمبر عام ١٩٦٧ بموسيقى المقدمة للأخوين رحبانى وصوت الإذاعية صفية المهندس تلقى بيتًا خالدًا للشاعر حافظ إبراهيم يقول فيه:
أنا البحر فى أحشائه الدر كامن... فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟
ومنذ أول حلقة نجح فاروق شوشة فى النفاذ برقته إلى أعماق المستمعين شرقًا وغربًا، كانت الحلقات درسًا بليغًا لنا نحن عشاق أجمل لغة، ولكننا كم هدمناها وذبحناها برعونتنا فرفضنا صيانة اللغة العربية وكسرنا أى محاولة لتجديدها وتطوير طرق تدريسها فى المدارس والجامعات المتخصصة٠ والنتيجة المخجلة أن تجدنا- إلا قليلًا- لا نجيد النطق السليم للغة الضاد، ولا نعرف قواعد النحو والصرف على أصولها.
أتذكر الأديبة الدكتورة سهير القلماوى فى أحد البرامج الثقافية بالإذاعة المصرية، انتقدت طرق تدريس اللغة العربية وقالت إن الطلاب يكرهونها بسبب هذه الطرق المعوجة العزيمة، وشرحت ببساطة العلماء كيف يمكن تقريب هذه اللغة للأجيال.
كان من الضرورى فى هذه الأجواء أن يعلن فاروق شوشة -أحد حماة وحكماء لغتنا العريقة عن برنامجه الذى قدم فيه حتى آخر أيام عمره أربعة عشر ألفًا وأربعمائة حلقة، هى جهد أربعين عامًا دون انقطاع يوم واحد.
جمع شوشة فى حلقاته بين تراثنا القديم فى الشعر والبلاغة وصنوف الأدب الأخرى، وبين لغتنا الجميلة فى فم المعاصرين، فقدم لنا الشعراء حسن كامل الصيرفى وطاهر أبوفاشا وإدوار حنا سعد، وصولًا إلى صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى وعبدالوهاب البيانى ونازك الملائكة وسعيد عقل وجبران خليل جبران وإيليا أبوماضى وعمر أبوريشة وبشارة الخولى ومحمود درويش وغيرهم، وتحول البرنامج إلى ساحة من الإبداع، واقترب منه كثير من الشباب لديهم رغبة فى إصلاح هويتهم العربية؛ والتى تبدأ باللغة.
وبعد عشر سنوات من أولى حلقات لغتنا الجميلة قدم فاروق شوشة برنامجه التليفزيوني (أمسية ثقافية) ولأهمية البرنامجين كونهما مرجعًا للغة العربية طرح شوشة مبادرة على رئيس صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات لتوزيع تسجيلات البرنامجين على المدارس- معلمين وطلابًا- كهدايا لتعليمهم النطق الصحيح للغة العربية، إلا أن مشروعه هذا لم يتحقق حتى الآن؛ ولعلها مناسبة أن نعيد اقتراح الشاعر الأمين على لغته وعلى شبابها لكل المسئولين لتنفيذ هذا الاقتراح المهم.
فاروق شوشة أصدر أربعة عشر ديوانًا شعريًا، أولها (إلى مسافرة) عام ١٩٦٦، وفاز بجائزة الدولة التقديرية فى الآداب وجائزه النيل وجائزة كفافس العالمية.