رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«نحو  المستقبل»

لا شك أن التقدم التكنولوجى هو السمة المميزة لعصرنا الراهن حيث حول الإنسان كل ما اكتشفه وما توصل إليه من كشوفات وقوانين علمية إلى منتجات تكنولوجية تتطور كل يوم بشكل متسارع جعل من حياة الإنسان حياة أكثر سهولة ويسرا، لكنها فى نفس الوقت أثارت الكثير من المشكلات والتساؤلات التى تتعلق بأخلاقيات الإنسان ومعتقداته، وتتعلق حتى بمستقبل الإنسان وعلاقته بهذه التكنولوجيا وعلاقاته مع الآخرين من بنى جلدته. وربما يكون السؤال الأهم بين تلك التساؤلات هو: ما أثر هذا كله على مستقبل الإنسانية ككل؟

لقد كان ذلك التساؤل هو ما أثار جانبًا من قلق الفيلسوف الألمانى الشهير مارتن هيدجر على جوهر كينونة الإنسان ووجوده فى هذا العالم من منتصف القرن الماضى، وربما تكون إجابة الفيلسوف الأمريكى المعاصر فرانسيس فوكوياما عن هذا التساؤل فى نهاية كتابه «نهاية الإنسان – عواقب الثورة البيوتكنولوجية» من أهم ما قيل فى هذا الصدد، حيث قال: «ربما كنا على مشارف مستقبل سلالة بعد بشرية تمنحنا فيه التكنولوجيا القدرة على أن نحور بالتدريج هذا الجوهر مع الزمن. الكثيرون يتقبلون هذه الفكرة فى سرور تحت شعار حرية البشر، يريدون أن يعظموا من حرية الآباء فى اختيار من ينجبون، من حرية العلماء فى موالاة البحث، من حرية المقاول فى استخدام التكنولوجيا لجمع الثروة.. الكثيرون يفترضون أن عالم ما بعد البشر سيشبه كثيرا عالمنا هذا –به الحرية  والمساواة والرخاء والرعاية والشفقة– إنما برعاية طبية أفضل وأعمار أطول وربما بذكاء يفوق الذكاء الحالى.. وقد يكون عالم ما بعد البشر أكثر هيراركية وتنافسية من عالمنا هذا.. ربما كان عالما من الطغيان الناعم الذى تخيله عالما جديدا شجاعا يتمتع فيه الجميع بالصحة والسعادة وينسى فيه الكل معنى الأمل والخوف والكفاح ..». وكم كان جميلا من فوكوياما أن يختتم تحليله السابق بقوله: «ليس علينا أن نقبل أيا من هذه المستقبلات تحت شعار كاذب لحرية، حرية حقوق تكاثر لا تحد أو حرية بحث علمى بلا حدود، ليس علينا أن نعتبر أنفسنا عبيدًا لتقدم علمى محتوم إذا كان هذا التقدم لا يخدم غايات الإنسان، إن الحرية الحقة هى حرية المجتمعات السياسية فى أن تحمى القيم التى تعتنقها عزيزة، هذه هى الحرية التى يلزم أن نعتصم بها فى الثورة البيوتكنولوجية المعاصرة « (الترجمة العربية للدكتور أحمد مستجير).

وها هنا وفى هذا الكلام الأخير لفوكوياما نجد مربط الفرس؛ فمهما كان التسارع فى التقدم التكنولوجى مفيدا  وأيا ما كانت التسهيلات والخدمات التى يمكنه أن يؤديها للإنسان فلا ينبغى أن يُسمح بأن يكون بديلاً للإنسان؛ فما يسمى اصطلاحا بعالم «ما بعد الإنسان» ينبغى أن يظل إنسانيا، بمعنى أننا لا ينبغى أن نفقد يوما مع كل ما نحققه من صور تسارع التقدم التكنولوجى المشاعر والعواطف الإنسانية الطبيعية النبيلة التى ميزت الحضارة الإنسانية فى كل عصورها رغم كل الصراعات والهزائم والانتصارات التى عايشها البشر . إن تلك المشاعر والعواطف النابعة من قلب الإنسان وجوانيته هى بحق جوهر الوجود الإنسانى الذى لا يمكن أن تمحوه كل صور التقدم التكنولوجى الذى حققه أو الذى سيحققه فى المستقبل. إن ثمة فروقا بين إنسانية الإنسان وبين آليته، وهذه الفروق هى الفيصل بين أن يعيش الإنسان ويستمتع بكينونته الذاتية ومشاعره وعواطفه الأخلاقية والدينية وبينه حينما يستسلم للآلية والحركة المادية الميكانيكية ويصبح وكأنه كائن تكنولوجى مصنوع لا من لحم ودم، بل من حديد ونحاس! 

والحقيقة التى أرى أنها لا ينبغى أن تغيب عنا أنه مهما تقدمت العلوم والاختراعات التكنولوجية للإنسان فإن مبدع التكنولوجيا وصانعها هو الإنسان! فهل يمكن أن يسمح الصانع لصنيعته أن تتقدم عليه وتهزم كينونته الإنسانية ومشاعره الفياضة الحية؟!

[email protected]