عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

القاعدة الشائعة فى الفكر السياسى والعسكرى، أن من يبدأون الحروب لا يكونون هم فى الغالب من يقدرون على إنهائها. وأغلب الظن أن طرفى الحرب فى السودان، الجيش وقوات الدعم السريع اللذين يتبادلان المسئولية عن بدئها كان لدى كل منهما تصور مؤكد أن الصراع المسلح سوف ينتهى بهزيمة الطرف الآخر فى وقت وجيز، وفى ذلك يكمن الوجه الأخطر للأزمة السودانية القائمة. فالحرب التى تدخل شهرها الرابع ولا يلوح فى الأفق احتمال قريب لتوقفها، ولم يعد يملك أى من طرفيها القدرة على حسمها لصالحه، بعدما تبين خطأ تقدير كل منهما لنقاط القوة والضعف لدى الطرف الآخر. 

ولم يكن مفاجئا أن الحرب التى بدأت فى وسط العاصمة الخرطوم وضواحيها تمتد للغرب فى درافور، ومرشحة  للانتقال إلى أقاليم أخرى فى الشمال؛ لأن معظم القوى السياسية فى البلاد مسلحة، وهو وضع فرضه نظام البشير الإسلاموى منذ أعلن أنه أخذ السلطة بقوة السلاح ومن يريدها من معارضيه فليحمل السلاح مثله. وتكاثرت تلك القوى المسلحة فى أنحاء البلاد بعد تدهور أحوالها المعيشية والأمنية، وتدنى أداء مؤسساتها التنفيذية بأخونتها من قبل الموالين والانتهازيين من غير الأكفاء، وطبعا لم يكن للجيش أى سلطة عليها، فضلاً عن ارتباط بعضها بدعم غربى وأفريقى. 

كل تلك العوامل ساهمت فى أن الحرب لم تعد سودانية خالصة، فقد بات واضحا دور قوى إقليمية ودولية فى تعقيد أحداثها، وبعضها لا يرغب فى إنهائها، دفاعا عن مصالح يريد الفوز بها، وأخرى يسعى إلى الذود عنها، وهو ما لا يوفره استقرار السودان، فضلاً عن أن هذا الوضع الكارثى شجع أطرافا أفريقية  للمطالبة بقوات دولية للفصل بين الطرفين! 

لم تنجح مبادرات التسوية الأفريقية فى منظمة الإيجاد، ومبادرة القاهرة لدول جوار السودان ومنبر جدة المشترك بين السعودية والولايات المتحدة فى وقف الاقتتال، ولن ينجح غيرها مادام شعار الحياد غير الواقعى وغير المطبق على الأرض، كما يعرف جيدا من يطلقونه، لا يزال مرفوعا على موائد التفاوض. والاجتماع الذى عقده مؤخرًا فصيل من قوى الحرية والتغيير فى القاهرة لبحث خطة للقوى المدنية تسعى لتنفيذها بالتنسيق مع القوى الإقليمية والدولية من أجل الوقف الفورى للحرب، والعودة للمسار السياسى السابق لاندلاعها  يفتقد للمصداقية. فمن المغالطة قول ممثلى الحرية والتغيير فى اجتماع القاهرة إنها كانت قبل الاقتتال تقف على مسافة واحدة من الطرفين، و هو أحد الأخطاء التراجيدية لتلك القوى، التى ظلت طوال أكثر من أربع سنوات من سقوط نظام البشير تفتعل معارك تلو الأخرى مع الجيش وتحرض على دوره فى الحياة السياسية بالمظاهرات والاعتصامات، مع تجاهل لدوره المحورى فى تاريخ السودان الحديث، والذى أضحى بعد الاستقلال جزءا رئيسيا من المعادلة السياسية التى تضم الأحزاب والمنظمات النقابية الجماهيرية. ومع واقع سياسى ينوء بثقل هشاشة الأحزاب وضعفها وصراعتها غير المبدئية، أصبح الجيش هو المؤسسة الوطنية الوحيدة المتماسكة فى المجتمع السودانى، برغم ما أصابه من وهن أثناء حكم الإخوان. 

وقوى الحرية والتغيير المنقسمة عليها أن تمتلك أفضيلة الاعتراف بخطأ مواقفها السابقة، وأن تكف عن موقفها الانتهازى الذى يساوى بين مليشيا متمردة لا تملك قرار نفسها، وجيش البلاد النظامى، وأن تتحلى بالجسارة لمطالبة المجتمع الدولى بمساءلة قوات الدعم السريع عن جرائم إبادة جماعية ونهب للمنازل واحتلالها واغتصاب نسائها وتجويع سكانها حتى الموت وحرمان أطفالها من العلاج وأخذ التطعيمات الدورية، وهى جرائم رصدتها منظمات حقوقية دولية وأجهزة إعلام تتسم بالمصداقية. 

وعليها قبل هذا أن تخرس الأصوات العدمية المناصرة لها، التى لا تكف ليل نهار عن التشكيك فى الدور المصرى، الذى يعلم القاصى والدانى أن استقرار السودان وأهله مسألة أمن قومى للسياسة المصرية.