رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إذا كان الاقتصاد هو عصب الحياة، فالإنسان هو الحياة نفسها. التحدى الأكبر الذى تواجهه الدولة المصرية من واقع ما تصرح به يتمثل فى إعادة هيكلة الاقتصاد، ومحاولة إنجاز مشروعات تعيد تشكيل البنية التحتية للحياة ككل، بمستوى عصرى يجعلها قادرة على التكيف مع متغيرات كثيرة آنية ومستقبلية. وإذا اتفقنا على أن المجتمع كائن حى، فعلينا أن نسلم بأن هذا الكائن تسرى عليه من قوانين الحياة والطبيعة ما ينطبق على كل الكائنات.. ليست المشكلة أن يصل القطار إلى محطته فى الوقت المحدد، المهم أن يكون بانتظاره على رصيف الحياة بشر يملكون طموح الاستمرار فى الرحلة، ولديهم الحماس الذهنى والنفسى للسفر الدائم تجاه أحلامهم وأمانيهم.

مصر فى القلب من عالم يتغير بسرعة وبشدة، وربما يكون شعور الإنسان المعاصر بالاغتراب، والرغبة فى العزلة، وأحيانا الاستمتاع بها، من مشاكل هذا العصر.. الأجيال الجديدة أكثر ارتباطًا بوسائل عصرها، وأقل اهتمامًا بالتمسك بقيم الحياة الاجتماعية التى خبرها وعاش عليها العالم خلال معظم عقود القرن العشرين. من المهم جدًّا أن تدرك الدولة المصرية والقائمون على التخطيط بها أن الارتقاء بالاقتصاد لو لم يرافقه ويلازمه ارتقاء بمباديء الحياة ومساعدة المجتمع على إعادة اكتشاف جذوره وأصوله الجميلة، فإن المحصلة الأخيرة قد لا تكون كما نتمنى نحن الآن. الارتقاء بالمجتمع، وإعداده لفهم المستقبل انطلاقًا من جذور وتاريخ وسمات للشخصية المصرية يعنى أن نستثمر كثيرًا فى التعليم والثقافة والفنون والآداب، ويعنى أيضا أن نتنبه لأهمية فك الاشتباك بين الدين والحياة، فإن أروع ما فى الأديان عمومًا أن يكون وطنها القلب، وأن تكون أماكن العبادة قِبلة للتسامح والهدوء، ولفظ التعصب.

إن فك الاشتباك بين الدين والحياة يعنى دون تشنج أو مزايدة من أحد أن تنسحب الوصاية الدينية من الشوارع ووسائل الإعلام، وأن تكون دور العبادة بمثابة المنابر الطبيعية للدعوة للتمسك بقيم الأديان وأخلاقياتها، من دون مناكفة أو عصبية بغيضة. وأخيرًا، لا يمكن تجاهل أن ظاهرة التلازم الغريب بين تزايد وتصاعد التدين الشكلى و»الوظيفي» منذ نهاية ستينيات القرن الماضى، والتراجع الكبير فى منظومات القيم بالمجتمع المصرى، هما الدافع القوى للدعوة لفك الاشتباك المشار إليه، والذى تم «عجنه وتخميره « والنفخ فيه على يد جماعات مصالح، وميليشيات دينية، وأصحاب بيزنس دينى بالداخل والخارج خلال نصف قرن مضى ويزيد.

مستقبل مصر على الصعيد الاقتصادى ليس مخيفًا، وربما لا أتجاوز حقائق الواقع لو قلت إن مقومات التغير الإيجابى ببنية الاقتصاد المصرى كبيرة ومبشرة، رغم ما يبدو من أزمات حالية.

إن أكبر تحدٍ يواجه وسيواجه الدولة المصرية من الآن ولعقود قادمة يكمن فى مدى قدرتها على استعادة ثقة المجتمع بها وبأدوارها، واستعادة التنوع الطبقى بالمعنى الإيجابى، بديلًا عن التمايز الطبقى المهدد لأبسط معانى العدل الاجتماعى.

التحدى الأكبر أن تنجح الدولة فى أن تعزز أصول المجتمع، من دون تعارض مع سياسات الاستثمار فى بيع بعض أصول الدولة.. أصول الدولة شيء وأصول المجتمع شيء آخر.. أصول المجتمع تحتاج دوما لصونها، وتقويتها لاستيعاب مقتضيات التغيير، أما أصول الدولة فليس من صفاتها الثبات والدوام، وتحتاج فقط من الساسة وأهل الخبرة تدوير الأفكار بالطريقة والشكل اللذين يعظمان الأرباح، سواء بالتمسك بها أو بالاستثمار فيها مع آخرين. أصول الدولة أرقام وأرصدة على الأرض أو فى البنوك، أما أصول المجتمع فعبارة عن تاريخ وثقافة وفنون ومنظومات قيم، وتراث من المعارف المختلفة، بما فى ذلك التراث الدينى الذى يجب أن يكون مجالًا للإبداع والتسامح والرقى وليس ساحة للاقتتال والفرقة والكراهية.

الجمهورية الجديدة فكرة رائعة لو استندت إلى قواعد جديدة تختلف عن كل ما سبقها من أطر الحكم والدولة، ولكن أروع ما فى الجمهوريات الجديدة أن يكون عنوانها الأبرز «جمهور جديد» – يعنى مجتمعًا جديدًا– قادرًا على فهم زمانه من فوق قمة تاريخه الممتد منذ آلاف السنين.