رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاوى

 

قرأت مؤخراً مقالاً كتبه المفكران الكبيران محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس فى بداية حياتهما. هذا المقال تم نشره فى جريدة الوفد المصرى عام 1954، للرد على مقال كتبه عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين والمنشور فى جريدة الجمهورية فى ذات العام. هذا المقال دفعنى إلى أن أتوجه بسؤال مهم: لماذا اختفت المعارك الأدبية من الصحف المصرية؟.. على كل حال هذه القضية ستكون ذات بحث طويل.. ما قاله العالم وأنيس كان بمثابة بيان معلن من وجهة نظرهما حول مفهوم الأدب. وجاء الرد عليهما من قبل عميد الأدب فى مقال عنوانه يونانى فلا يقرأ فى إشارة تهكمية مبطنة لحاجاتهما لروح الناقد وتروى الباحث. ورغم أن الأيام التى خاض دوامتها أثبتت أنهما مارسا القراءة المولدة بجدارة فريدة. ودخل فى المعركة عباس محمود العقاد يتهم العالم وأنيس بأنهما شيوعيان مطلوب القبض عليهما. ويصف طه حسين العالم بأنه يونانى لا يقرأ.. وهناك مجموعة مقالات أخرى لعبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم جمعها الناقد محمد دكروب لتصدر فى الكتاب المقدم له حسين مروة وحمل عنوان «فى الثقافة المصرية» وقد ظهرت طبعته الأولى فى بيروت سنة 1955 وأثار الكتاب ردود أفعال عاتية وشديدة التباين لدى كتاب ونقاد الأدب فى تلك المرحلة وأثر فى كواليس ومنصات الثقافة حتى إن البعض اعتبره ويعتبره نقطة فارقة فى توجيه دفة النقد الأدبى العربى نحو الواقعية الجدلية.

ولعل كتاب «فى الثقافة المصرية» لأنيس والعالم يحيل إلى مستقبل الثقافة فى مصر لطه حسين المنشور عام 1938، وكان كل من أنيس والعالم اعتبرا موضوعياً أنهما ضمن هذا المستقبل التعليمى التربوى التطورى فى كتاب طه حسين، أى الجيل التفاؤلى الثانى الذى عناه طه حسين فى كتابه، والذى أخذ يتطلع فى الثقافة المصرية لحاضر ينال القضايا النقدية والاجتماعية والمواقف من حركة التاريخ.

وراح العالم ينشر كتاباته النقدية فى مجلة روزاليوسف إلى أن بدأ سلسلة مقالات نقدية فى مجلة الرسالة الجديدة التى كان مديراً لتحريرها حتى عام 1958، أى حتى اعتقاله ما بين عامى 1959 و1964.

ثم عمل بعد الإفراج عنه محرراً أدبياً فى مجلة المصور إلى أن سافر فى عام 1972 للتدريس فى أكسفورد ثم فى باريس مع صديقه جاك بيرى ليعود فى عام 1984 بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، ليصدر كتابا غير دورى بعنوان قضايا فكرية، وعنوان فرعى من أجل تأصيل العقلانية والديمقراطية والإبداع.

وقد وضع العالم رؤيته للأدب وصورته ومادته فبين أن فهم المدرسة النقدية القديمة المعاصرة للأدب يبقى قاصرا ما دامت تلك المدرسة تحصر فهمها له فى العلاقة بين صورة الأدب ومادته، لأن هذا الفهم ينطلق من قواعد فجة تفصل الأدب عن حركة الحياة... غير العالم لم يقصر الصورة على اللغة وقصر المادة على المعانى. ولا يكشف عن إدراك سليم لحقيقة الظاهرة الأدبية.. فالصورة ليست لغة فحسب لأن اللغة فيها أسلوب والمعانى ليست وحدها مادة الأدب بل هى إحدى أدوات المعانى.

ويرى العالم وأنيس أن تكامل العمل الأدبى هو بناء متراكم ينمو داخليا ليصوغ واقعا اجتماعيا صياغة متسقة. ولعل مثل هذه الرؤية للأدب هى التى دفعت النقاد إلى أن يطلقوا على العالم لقب رائد النقد الواقعى فى الأدب.

ويبقى السؤال المهم: لماذا اختفت المعارك الأدبية فى هذا الزمن؟ السؤال سنجيب عليه فى الأيام القادمة إن شاء الله.