عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نستورد 95% من المواد الخام.. والمبيعات تصل إلى 170 مليار جنيه

صناعة الدواء.. أمن قومى

مدينة اللقاحات
مدينة اللقاحات

صناعة الدواء أمن قومى لأى دولة فى العالم ولا يمكن الاستغناء عنها، وقد جاءت جائحة كورونا لتدق جرس الإنذار حول أهمية امتلاك تكنولوجيا تصنيع الأدوية واللقاحات، وتوطين هذه الصناعة محليا حتى لا نكون تحت رحمة الدول الخارجية. 

مدينة اللقاحات

ولذلك بدأت مصر منذ سنوات العمل على توطين صناعة الدواء من خلال إنشاء مدينة الدواء ومدينة الخامات ومدينة اللقاحات، إضافة إلى عقد شراكات مع الهند والصين لتصنيع المواد الخام محليًا والاستفادة من موقع مصر الجغرافى فى التصدير للقارة الأفريقية. 

وتمتلك مصر 170 مصنعا للدواء تمثل قوة صناعية كبيرة، ووصل حجم مبيعات الأدوية فى 2022 نحو 170 مليار جنيه، فيما بلغت صادرات مصر منها فى نفس العام حوالى 960 مليون دولار. 

ويرجع تاريخ صناعة الدواء فى مصر إلى عام 1939 عندما تم إنشاء شركة مصر للمستحضرات الطبية التى تعد أول نواة لصناعة الدواء بشكل حقيقى، ثم شهدت نهضة كبرى فى الستينيات فى عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وتم إنشاء المؤسسة المصرية العامة للأدوية وشركات الأدوية المختلفة، حتى وصلنا إلى مرحلة الاكتفاء الذاتى وتغطية 92% من الاحتياجات المحلية حاليًا. 

مدينة اللقاحات

لكن تظل هناك مشكلة قائمة وهى استمرار استيراد المواد الخام المستخدمة فى التصنيع من الخارج بنسبة 95%، وصعوبة إنتاجها محليًا بسبب عدم الجدوى الاقتصادية والمنافسة الشرسة من الشركات الهندية والصينية التى تسيطر على 80% من سوق المواد الخام الدوائية فى العالم. 

هذا الملف يناقش قضية توطين صناعة الدواء فى مصر وأبرز الجهود التى تم تنفيذها فى هذا الصدد خلال الفترة الماضية، ورصد أبرز المشكلات التى يعانى منها سوق الدواء مثل نقص الأدوية واستيراد المواد الخام. 

الحكومة والبرلمان «إيد واحدة» لتنمية الصناعات الدوائية

 

شهدت الفترة الماضية اهتمامًا بالغًا على المستوى الحكومى والبرلمانى بتوطين صناعة الدواء، واستغلال الفرص الواعدة أمام مصر فى هذا المجال لزيادة التصدير، وجذب العملات الصعبة من الخارج. 

مجلس الوزراء

ومؤخرًا، عقد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعًا لمناقشة سبل تيسير وتبسيط إجراءات تراخيص مصانع الأدوية والمستلزمات الطبية بحضور عدد من الوزراء والمسئولين والمتخصصين فى الصناعة.

وأكد رئيس الوزراء فى هذا الاجتماع على ما توليه الدولة حاليًا من أولوية قصوى لقطاع الصناعة والتصدير، وأن مصر لديها العديد من الفرص التصديرية الواعدة فى هذا المجال، نظرًا لتوافر البنية الأساسية والأيدى العاملة، والاتفاقات التحفيزية فى هذا الشأن مع القارة الأفريقية وغيرها.

وخلال الاجتماع استعرض رئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد اللواء طبيب بهاء الدين زيدان، سبل توطين الصناعات الطبية والإجراءات والتحديات التى تواجه الاستثمار فى القطاع الطبى، وما تم فى هذا الصدد من قبل اللجنة المشكلة لتوطين صناعة الدواء والمستلزمات الطبية، من خلال دعوة ممثلين عن الصناعات الطبية فى مصر، والاستعانة بالخبراء للتوصل إلى أفضل النتائج، وكذا دراسة تجارب بعض الدول الرائدة فى الخليج وأفريقيا وأوروبا. 

تم الاتفاق مع رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، للاستعانة بمطور عقارى لتجهيز المنطقة المخصصة للصناعات الطبية بمساحة 4 ملايين متر فى العين السخنة.

كما وجه رئيس الوزراء بتشكيل لجنة مشتركة يكون أعضاؤها من مصلحتى الضرائب والجمارك، ومسئولى صناعة الدواء فى مصر، وممثلى وزارة التجارة والصناعة، واتحاد الصناعات، بهدف تذليل أية عقبات وتحديات تواجه الاستثمار فى المجال الطبى فى مصر.

على الجانب الآخر، ناقشت لجنة الصحة والسكان بمجلس الشيوخ دراسة قدمها الدكتور محيى حافظ عضو المجلس، بشأن سبل دعم الصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية (المشكلات - الرؤى)، التى تستهدف استعادة مصر مكانتها الإقليمية والدولية فى أبحاث وصناعة وتصدير الدواء الآمن والفعال طبقًا لأحدث المعايير العالمية.

وتضمنت الدراسة بعض المطالب من وزارة الخارجية لتعظيم صادرات الدواء والمنتجات الطبية للوصول إلى 5 مليارات دولار حتى عام 2030، من خلال وضع برامج الدعم والتحفيز اللازمة للمصانع المصرية للحصول على شهادات الاعتماد الدولية وإقامة مصانع الدواء خارج مصر، وكذلك الدخول فى التحالفات الدوائية الجديدة مثل الوكالة الأفريقية للدواء (AMA) والوكالة العربية للدواء (وعد) ووكالة الكوميسا للدواء (CMA)، وإبرام اتفاقيات الاعتراف المتبادل بين مصر والدول الأفريقية والآسيوية المراد التصدير إليها لاسيما المناقصات الحكومية، وتشجيع وتحفيز الشركات متعددة الجنسيات بتصدير الدواء لأفريقيا وآسيا من مصانعها الموجودة فى مصر.

وأكدت الدراسة ضرورة تبنى هيئة الدواء ووزارة الصحة ووزارة التجارة والصناعة فكرة الدخول فى التحالفات الدوائية الجديدة، وعمل تحالفات بين مصر ومجموعة دول السادك الأفريقية بتنزانيا، وتوقيع اتفاقيات الاعتراف المتبادل مع بعض الدول الأفريقية والأسيوية، بما يحقق الصالح العام لمصانع الدواء المصرية، لاسيما فى مجال المناقصات الحكومية.

كما أكدت الدراسة ضرورة تبنى غرفة صناعة الدواء ما يخص إنتاج ميثاق شرف تلتزم به كل الشركات المحلية الكبيرة ومتعددة الجنسيات وعدم الوقوع فى أى ممارسات احتكارية من شأنها إضعاف قدرة الشركات المتوسطة والصغيرة على الاستمرار فى أداء مهامها وتعظيم مواردها لتغطية احتياجات السوق المحلى والتصدير، من خلال غرفة صناعة الدواء والأطراف الأخرى المرتبطة.

وتضمنت الدراسة التأكيد على تقديم الدعم الكامل من وزارات التجارة والصناعة والخارجية لدعم وتحريك ملف الدواء المصرى، لأنه مستوفى كافة الموافقات، والتعاون مع لجنة الصحة بمجلس الشيوخ ولجنتى الشئون الخارجية والعربية، بشأن إنهاء إجراءات الوكالتين (وعد- الكوميسا)، والمساعدة فى استكمال ما بدأناه للانتهاء سريعًا من موضوع إجراءات تكتل الوكالتين. 

الدكتور محيى حافظ

من جانبه، قال النائب الدكتور محيى حافظ، إن اللجنة تسعى من خلال هذه الدراسة إلى استعادة مصر لمكانتها الإقليمية والدولية فى أبحاث وصناعة وتصدير الدواء الآمن والفعال طبقًا لأحدث المعايير العالمية خلال العشر سنوات القادمة. 

وأضاف «حافظ» أن ذلك سيكون من خلال تعظيم إنتاج الأدوية التقليدية واقتحام مجال الصناعات الدوائية المعتمدة على التكنولوجيا الحيوية (Biotechnology) مثل إنتاج المثائل الحيوية (Biosimilars) ذات التكلفة الصناعية الأقل، بما يضمن استمرار وزيادة الاستثمارات فى مجال الدواء وأبحاثه، والتوسع فى إنتاج المواد الخام الفعالة وغير الفعالة ومواد التعبئة والتغليف المستخدمة فى صناعة الدواء.

وأوضح حافظ، أن تعظيم صادرات الدواء المصرى يكون بتشجيع إنشاء مصانع لصناعة المستحضرات الدوائية خارج البلاد والدخول فى التحالفات الدوائية الأفريقية والعربية الجديدة، لافتًا إلى ضرورة تعزيز التعاون الدوائى بين مصر ودول القارة الأفريقية، والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة فى هذا الإطار، حيث زادت صادرات الأدوية المصرية إلى تنزانيا من 2 مليون دولار إلى أكثر من 8 ملايين دولار فى عام 2022 والتى يمكن اعتبارها نموذجًا ناجحًا يمكن تطبيقه وتعميمه.

نقص الأدوية وغياب استراتيجية للتسعير أبرز المشكلات

 

يعانى سوق الدواء فى مصر من عدة مشكلات تؤثر عليه بشدة، أبرزها نقص بعض الأدوية وغياب استراتيجية واضحة ومحددة للتسعير. 

وخلال الفترة الأخيرة وخصوصًا مع أزمة الدولار زادت شكاوى المواطنين من نقص بعض الأدوية خاصة مرضى الغدد والقلب والأورام والأمراض المناعية، وبدأوا فى اللجوء إلى صفحات السوشيال ميديا من أجل الحصول على الدواء مهما كان سعره، واكتشفوا ارتفاع سعر بعض الأدوية إلى 900 جنيه بدلًا من 300 جنيها استغلالًا للأزمة. 

 

من المعروف أن مصر تستورد نسبة كبيرة من المواد الخام المستخدمة فى التصنيع، ومع أزمة الدولار بدأت الشركات المحلية تعانى من نقص مستلزمات الإنتاج بشدة، ما أثر على حجم الإنتاج والعرض فى الأسواق، وظهور بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى تبيع هذه النواقص بأسعار عالية، ليشكلوا عصابات تستغل الأزمة. 

الدكتور أحمد السواح

وفى هذا السياق، قال الدكتور أحمد السواح، رئيس مجلس أمناء المركز المصرى للحق فى الدواء، إن جذور مشكلة نقص الأدوية سواء محلية أو مستوردة ترجع إلى أزمة نقص العملة الصعبة اللازمة لتوفير مستلزمات الإنتاج والمواد الخام، مع عدم رغبة الشركات فى تحقيق خسائر، لأنه ليس من المعقول أن تتكبد الشركات خسائر وإلا لماذا تعمل أساسًا. 

وأضاف «السواح»، أن ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه باستمرار يتسبب فى مشكلات عديدة للشركات ويجعلها لا تستطيع تغطية مصاريفها وشراء المواد الخام من الخارج ومواد التعبئة والتغليف وغيرها، كما أن انخفاض أسعار الأدوية فى مصر يعد أحد أسباب نقصها فى الأسواق، لأن الشركات المستوردة ملتزمة بأسعار معينة وإذا وجدت أن سعر الدواء فى مصر أقل من الخارج فإنها لا تستورد هذا الدواء وتستغنى عنه، وبالتالى يحدث فيه نقص بالأسواق. 

وأوضح رئيس مجلس أمناء المركز المصرى للحق فى الدواء، أن أغلب أسعار الأدوية المستوردة فى مصر أرخص من مثيلاتها فى الدول المحيطة بنا، وبالتالى الشركات الأجنبية المستوردة لا تربح من السوق المصرى كما تربح من السوق الخليجى مثلًا. 

وأضاف أنه من ضمن مشكلات سوق الدواء الرئيسية قرارات هيئة الدواء المصرية التى تصدر بين الحين والآخر بزيادة أسعار بعض الأنواع المحلية أو المستوردة بشكل انتقائى عشوائى، وعلى حسب هوى ومزاج المسئولين، وبالتالى لا توجد سياسة واستراتيجية تسعيرية محددة، لدرجة أن هناك بعض الأدوية تزيد أسعارها 3 أضعاف فى المرة الواحدة، حيث أدى ذلك إلى وجود نوعين أو ثلاثة من الدواء لهما نفس التركيبة ونفس المادة الخام، لكن النوع الأول بـ20 جنيها والثانى بـ60 و70 جنيهًا بسبب السياسة التسعيرية العشوائية. 

وأشار «السواح»، إلى أن الحل يتمثل فى ضبط الأسعار بطريقة مدروسة وليست عشوائية، فإذا كان هناك مثلًا دواء للقلب متوفر منه نوع محلى وآخر مستورد، يجب تقريب أسعار النوعين بحيث تستطيع الشركات المحلية توفير المادة الخام باستمرار حتى لا تتوقف عن الإنتاج، بالإضافة إلى عدم إرضاء الشركات متعددة الجنسيات التى تعمل فى مصر من خلال مصانعها على حساب الشركات المحلية، ورفع السعر لها أكثر من مرة، لافتًا إلى أنه فى حالة عدم موافقة هذه الشركات على هذا الوضع من الممكن أن تتوقف عن إنتاج الصنف الذى يوجد له بديل محلى. 

وأضاف: «يجب أيضاً اتباع سياسة النفق السعرى كما تتبعها الدول الأوروبية، بحيث يتم خفض سعر الأدوية الأصلية بعد انتهاء براءة الاختراع الخاصة بها، ولا يكون الفارق بين سعر الدواء الأصلى والمحلى أكثر من 30 أو 40%، وفى حالة رفض الشركة الأصلية هذا الأمر فإنها لا تنتج هذا الدواء طالما هناك بديل محلى متوفر، وفى هذه الحالة يقترب سعر المحلى من المستورد وتنضبط الأسعار».

وأوضح أن هذا الأمر لا يؤثر على المواطن، لأن هناك بديلًا محليًا متوفرًا والشركات ستستمر فى إنتاجه، إنما سيتأثر إذا كان الدواء مستوردًا وليس له بديل، مشيرًا إلى أن هناك 9 شركات فى مصر معظمها متعددة الجنسيات تستحوذ على 55% من السوق المصرى و150 شركة مصرية أخرى تستحوذ على الباقى.

محمود فؤاد

من جانبه قال محمود فؤاد، المدير التنفيذى للمركز المصرى للحق فى الدواء، إن وجود صنف أو أصناف فى السوق بأكثر من 3 أسعار خلال 4 أو 5 أشهر، يشير إلى أن هناك لوبى مصالح كبيرًا له نفوذ يحميه سواء من شركات نافذة أو قيادات قادرة. 

وأضاف «فؤاد» أن هناك أصنافًا كانت تباع بـ50 جنيهًا وبعد شهر أصبحت بـ٩٠ جنيهًا ثم وصلت إلى ١٣٥ جنيهًا، أى أن هناك ملايين الجنيهات مكسب فى كل صنف، لأن هذا الصنف يباع منه ملايين العبوات، وهذا الأمر يحدث بجرة قلم، فى حين هناك آلاف الأصناف الأخرى لا ترتفع أسعارها. 

وأوضح «فؤاد»، أن هذا الأمر غالبا ما يتم عن طريق نقل مسئول أو كادر من هيئة رسمية معينة إلى شركة خاصة تحت بند أجازة تحسين دخل، ومن هنا يبدأ تحريك الأسعار عبر لوبى المصالح، ثم بعد سنتين يعود هذا المسئول إلى عمله مرة أخرى بعد استنفاد مبررات وجوده فى الشركة الخاصة أو انكشاف أمره، ولذلك تجد معظم المسئولين المنقولين إلى الشركات الخاصة يعملون فى أقسام التسجيل أو التسعير أو التفتيش، لأنها الأقسام المهمة. 

وأضاف «لوبى المصالح فى الهيئات الكبرى يبيع المعلومة فى لحظة ويكسب ملايين حرام، وكل ده مرتبط بشىء واحد هو شيوع الفساد اللى بيجرأ ويشجع الجميع وكل واحد بيفوت للتانى والدنيا بتمشى.. لكن بردو سهل جدًا إنك تحاسب موظف عام إن كنت عاوز فعلًا تحاسبه». 

«مدينة الخامات الدوائية».. خطوة على الطريق 

 

تعتبر المواد الخام عصب صناعة الدواء فى أى دولة، وفى مصر نستورد ما بين 80٪ و95% من هذه المواد لتصنيع الأدوية، وهى معضلة كبرى تسعى الدولة إلى حلها بشتى الطرق، حتى لا تقع مصر تحت رحمة الدول الأخرى، خاصة أن صناعة الدواء أمن قومى، ولا يمكن الاستغناء عنها. 

مدينة الخامات الدوائية

فى هذا الإطار بدأت مصر فى إنشاء مدينة الخامات الدوائية بالعاشر من رمضان التى من المقرر افتتاحها خلال الربع الأول من 2024، لتوطين وتطوير الصناعة من خلال التعاون بين عدد من الشركات المصرية وبيوت خبرة عالمية متخصصة فى صناعة الخامات الدوائية. 

وتضم المدينة 3 مصانع، الأول «فارما تاو» لصناعة الخامات الدوائية من مصادر كيماوية مخلقة، بطاقة إنتاجية 5000 طن سنويًا بتكلفة استثمارية 36 مليون دولار، ويسهم المصنع فى توفير فاتورة استيراد تقدر بنحو 50 مليون دولار سنويًا، وسيكون الشريك التكنولوجى فى هذا المشروع شركة Smart Pharmaceaticals الهندية، ويقام على مساحة 20 ألف متر وسيتم تشغيله فى مارس 2024.

أما المصنع الثانى فهو مصنع «هيربال» لصناعة الخلاصات من النباتات الطبية ومصادر طبيعية، الذى يتم إنشاؤه على مساحة 10 آلاف متر مربع، فضلا عن وجود استثمار زراعى على مساحة 10 آلاف فدان فى مشروع مستقبل مصر الزراعى، بتكلفة استثمارية تصل إلى 40 مليون دولار، ويساهم هذا المشروع فى توفير 70 مليون دولار سنويًا من قيمة فاتورة الاستيراد، وتبلغ الطقة الإنتاجية للمصنع 2.3 مليون لتر زيوت عطرية وخلاصات سائلة، و500 طن خلاصات بودرة سنويًا، وسيتم افتتاحه فى مارس 2024 أيضاً.

والمصنع الثالث فهو مصنع» سيترو ايجيبت» لصناعة المواد الكيماوية خاصة السيتريك اسيد ومشتقاته، لأن حمض السيتريك يستخدم فى كثير من الصناعات الغذائية والدوائية، وذلك بتكلفة استثمارية تقدر بـ56 مليون دولار، وعلى مساحة 10 آلاف متر مربع، بالإضافة إلى وجود جزء زراعى على مساحة 5 آلاف فدان بمشروع مستقبل مصر الزراعى، بطاقة إنتاجية 240 ألف طن سنويا، وسوف يساهم هذا المشروع فى توفير واردات قيمتها 100 مليون دولار سنويا، وسيتم افتتاحه فى نفس توقيت إفتتاح المصنعين الآخرين.

الدكتور على عوف 

فى هذا السياق، قال الدكتور على عوف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، إن صناعة الدواء لها اشتراطات وتقنيات عالية ومواصفات معينة تضمن جودة الصناعة، بداية من المادة الخام إلى طريقة التصنيع ثم نزول الدواء إلى السوق، ولذلك فهى تخضع لمعايير جودة خاصة حتى نحصل فى النهاية على دواء آمن وفعال. 

وأضاف «عوف»، أن تصنيع الدواء يمر بأكثر من مرحلة أهمها الوصول إلى أفضل شكل للتركيبة يكون له تأثير علاجى وليست له آثار جانبية كثيرة، وطريقة امتصاصه سهلة وبسيطة، مشيرًا إلى أننا فى مصر نعتمد على تصنيع الأدوية المقلدة، وهذه الأدوية تسير بمعايير ومواصفات معينة وتجرى عليها دراسات معينة تؤكد أن لها نفس فعالية الدواء الأصلى، ولذلك فاختيار المواد الخام لهذه الأدوية يكون بمواصفات معينة. 

وقال: «ليست أى مادة خام تصلح لتصنيع الأدوية فى مصر، ولكن تكون نتيجة إجراء دراسات داخل المصانع من حيث حجم كل حبة فى المادة الخام نفسها وشكلها ودرجة الرطوية ومدى تحملها لدرجات الحرارة، وكل مصنع له مواصفات معينة للمادة الخام التى يستخدمها». 

وأكد «عوف» أننا فى مصر لدينا الإمكانيات المادية والبشرية والعلمية لإنتاج المواد الخام محليًا، بدليل وجود مصانع تنتج المواد الخام منذ الستينيات وأهمها مصنع النصر للكيماويات، لكن مشكلة هذه المصانع أنها لم تتطور منذ إنشائها، وبالتالى كانت تحقق خسائر كبيرة طوال السنوات الماضية، ولجأت المصانع المصرية إلى الاستيراد لأن إنتاج شركة النصر للكيماويات خاص بأنواع معينة فقط، ولم يكن مناسبًا للأدوية الحديثة وطرق إنتاجها. 

وأشار إلى أن المواد الخام تمثل 80% من صناعة الدواء، ونحن نستورد 95% من هذه المواد بما فيها الورق والأحبار التى تستخدم فى تعبئة وتغليف الدواء، موضحًا أن مصر ليست بدعة على مستوى العالم فى استيراد المواد الخام ومعظم الدول تستوردها، لأن براءات اختراع الأدوية والأبحاث الخاصة بها دائمًا ما تكون فى الدول الأوروبية وأمريكا التى تسيطر على هذه الصناعة، لدرجة أن الصين وروسيا يعتمدون أيضاً على تصنيع الأدوية المقلدة مثل مصر.

وأضاف: «هذه الدول المسيطرة تستخدم مصانع كبيرة فى الهند والصين لإنتاج المواد الخام لأن تصنيعها عندهم فى أوروبا يلوث البيئة، فلجأوا إلى الصين والهند بسبب العمالة الرخيصة والتسهيلات هناك، فأصبحت هاتان الدولتان تسيطران على 80% من سوق المواد الخام الدوائية فى العالم والجميع يستورد منهما». 

وأشار رئيس شعبة الأدوية، إلى أن شركات الدواء الأوروبية والأمريكية تشترى المواد الخام من الهند والصين بأسعار بسيطة جدًا ثم تقوم بإدخالها إلى أوروبا لبيعها بعد ذلك إلى باقى دول العالم بأسعار مرتفعة وتحقق أرباحًا كبيرة، قائلًا: «تاخد المادة الخام بدولارين أو ثلاثة وتبيعها لمصر أو غيرها بـ50 دولارًا».

وحول عدم تصنيع المواد الخام فى مصر، قال إن السبب فى ذلك هو عدم الجدوى الاقتصادية من المشروع التى ستؤدى إلى تحقيق خسائر كبيرة لأى مصنع يفكر فى إنتاج المواد الخام، بسبب المنافسة الشرسة من الهند والصين وأسعارهم الرخيصة مقارنة بمصر، لأن تكلفة إنتاج المادة الخام عندنا ستكون أعلى من استيرادها لأن إنتاجهم ضخم وأسعارهم أرخص، ولن يكون هذا المصنع استثمارًا ناجحًا إلا إذا تم تصدير إنتاجه للخارج وهذا الأمر صعب فى ظل المنافسة مع الصين والهند.

وأضاف: «ولذلك لجأ بعض المستثمرين المصريين فى الفترة الأخيرة إلى عقد شراكات مع شركات هندية وصينية لإنتاج المادة الخام لتلبية احتياجات السوق المصرى، ثم التصدير إلى السوق الأفريقى عن طريق مصر وبذلك تستفيد مصر والشريك الهندى أو الصينى أيضاً، وبذلك ننجح فى توطين الصناعة محليًا ونوفر المادة الخام بتكلفة أقل وندخل فى المنافسة العالمية، ومن المتوقع أن تظهر نتائج ملموسة لهذه الخطوات خلال 10 سنوات على الأقل لأنها خطة طويلة المدى».

«مدينة اللقاحات».. صرح طبى مصرى بمواصفات عالمية 

 

جاءت جائحة كورونا لتنبه العالم كله بأهمية اللقاحات وضرورة امتلاك كل دولة لتكنولوجيا تصنيع هذه اللقاحات حتى تكون فى مأمن خلال أى وباء قادم قد يضرب العالم. 

 

وبالفعل تنبهت مصر لهذا الأمر وتبذل حاليا جهودا كبيرة من أجل توطين صناعة اللقاحات محليا، وقد تعاملت مع ملف تصنيع اللقاحات بفكر استراتيجى قومى منذ بداية جائحة كورونا، وحرصت على الاستثمار فى البنية التحتية الطبية والتصنيعية بقدرات هائلة على مدار السنوات الماضية، وأصبح لدينا إمكانات عالية لاستيعاب تكنولوجيا صناعة اللقاحات من أجل ضمان تأمين توافر مختلف أنواع اللقاحات للمواطنين، وكذلك تصديرها لدول المنطقة والقارة الأفريقية. 

وفى هذا الجانب، نفذت الدولة مشروع مدينة اللقاحات والبيوتكنولوجى بمدينة الإسماعيلية، باعتباره أحد المشروعات القومية فى مجال الصحة العامة للمواطنين، لتوطين صناعة اللقاحات البشرية والبيطرية فى مصر لتأمين الحاضر والمستقبل، بالتعاون بين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية والقطاع الخاص وشركاء عالميين، والمساعدة فى نقل أحدث التكنولوجيا المطبقة عالميا فى هذا المجال، فضلاً عن الأهمية الكبرى لتصنيع اللقاحات البيطرية، وهو ما يعزز من قدراتنا المحلية على تحصين الثروة الحيوانية وتصدير الإنتاج للأسواق الخارجية، الأمر الذى يسهم فى توفير النقد الأجنبى للدولة، وهو جانب آخر مهم للغاية فى دعم الاقتصاد المصرى.

ويأتى إنشاء مدينة اللقاحات بالتعاون بشكل رئيسى مع شركات القطاع الخاص، وعبر شراكات عالمية متعددة، بالإضافة إلى التنسيق الدائم مع عدد من المؤسسات العالمية المتخصصة والجامعات والمعاهد البحثية المصرية، والاستعانة بأكاديمية البحث العلمى، وأفضل الخبراء من مصر والدول الأوروبية فى هذا المجال، ليكون المشروع بعد اكتمال تنفيذه صرحا صناعيا طبيا بمواصفات وتقنيات عالمية حديثة.

وتسعى المدينة إلى إحداث نوع من التوأمة مع أشهر الجامعات المصرية العريقة، وانتقاء أفضل العناصر من طلاب الجامعات والمعاهد العلمية البحثية للعمل بالمشروع بعد اكتماله والانتهاء من تنفيذه وتشغيله خلال الفترة القادمة، كما أن هناك تعاونا مع نخبة من العلماء والمتخصصين من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وغيرها من الدول الأخرى. 

وحصل مشروع مدينة اللقاحات والبيو تكنولوجى على موافقة الرخصة الذهبية مؤخرا، وتمت الموافقة عليه بحيث يتم إقامة وتشغيل مدينة لتصنيع وتعبئة وتغليف اللقاحات والأمصال البشرية والبيطرية بكافة أنواعها والمستحضرات البيولوجية والمشخصات والبيو تكنولوجى ومستلزماتها.

الدكتور إسلام عنان

من جانبه قال الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة مصر الدولية، أن مصر تسير بشكل جيد فى خطة توطين وتصنيع اللقاحات، خاصة مع إنشاء مدينة اللقاحات والاستثمارات الضخمة فيها. 

وأضاف «عنان» أن هناك فارقا بين نقل تكنولوجيا تصنيع اللقاحات والتصنيع نفسه، حيث أن نقل التكنولوجيا يتم عن طريق أكثر من مرحلة، وبدأ فى مصر أوخر 2020 عندما وقعت شركة سينوفارم مع فاكسيرا اتفاقا لنقل تكنولوجيا التصنيع ثم فايزر وإيفا، بحيث يكون لدى مصر التكنولوجيا اللازمة للتصنيع بمفردها فيما بعد. 

وأوضح «عنان» أن التصنيع نوعان إما تصنيع كامل أو تصنيع بنسبة 50%، بحيث يأتى خبراء أجانب من الشركة الأجنبية التى نريد نقل التكنولوجيا منها، ويتعرفون على الكفاءات والعناصر والكوادر البشرية فى مصر، وإذا كانت تحتاج إلى تدريب يتم تدريبها، ولكن عندما جاءوا إلى مصر وجدوا أن الكفاءات جيدة ولا تحتاج إلى تدريب كبير، ثم يتم تقييم المعدات ومعرفة القدرة الإنتاجية للمصانع المحلية، ووجدوا أن قدرتنا تكفى لإنتاج احتياجاتنا المحلية والتصدير لأفريقيا.

وأضاف: «ثم تأتى بعد ذلك مرحلة آليات التصنيع والجودة والتأكد من أن مصر تسير وفقًا لنفس معايير الجودة الخاصة بهم فى الخارج، وبالتالى فإن مرحلة نقل التكنولوجيا لمصر انتهت بنجاح فى أكثر من مكان، مثل فاكسيرا وإيفا وفاركو ومدينة اللقاحات». 

وأكد أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة، أن مدينة اللقاحات مشروع ضخم لتصنيع اللقاحات المختلفة سواء بشرية أو حيوانية، مشيرًا إلى أن 50% من إنتاج اللقاحات خاص بالمواشى والدواجن، وهذا الجزء مهم جدًا وبنفس أهمية اللقاحات البشرية، كما أن المدينة بدأت إنتاج لقاحات حيوانية بالتعاون مع شركة ألمانية، وهناك لقاحات للبشر سيتم إنتاجها فى المدينة بنهاية العام الحالى أو العام المقبل. 

وفيما يتعلق بمرحلة الإنتاج والتصنيع، قال إن مصر كانت تنتج لقاحات كورونا بنسبة 50%، بحيث إن اللقاح كان يأتى إلينا مُصنَع بشكل غير نهائى ونحن نستكمل تصنيعه وتعبئته، بعد التأكد من جودته والتوازن البيولوجى الخاص به، كما أن تصنيع اللقاحات من الصفر موجود أيضاً فى مصر فى بعض الأنواع. 

وأوضح «عنان» أنه بعد انخفاض الاحتياج إلى لقاحات كورونا فى الوقت الحالى، فإن المصانع سيتم استغلالها فى تصنيع لقاحات أخرى لأنها أصبحت تمتلك التكنولوجيا التى يمكن من خلالها تصنيع اللقاحات بنفس الطريقة التكنولوجية، لأن العالم خلال الفترة القادمة سيعتمد فى تصنيع اللقاحات على نفس الطرق التى استخدمها مع لقاحات كورونا مثل تكنولوجيا اللقاح الناقل أو تكنولوجيا mrna، وبالتالى النوعان موجودان فى مصر، وأى لقاح مستقبلى سنستطيع تصنيعه بسهولة، لأن المرحلة الأصعب كانت نقل التكنولوجيا وقد تمت بنجاح. 

وأشار إلى أن الخطة الإنتاجية لمصر تستهدف إنتاج الاحتياجات المحلية والتصدير لأفريقيا بمليارات الدولارات، كما أن ميزانية مشروع مدينة اللقاحات 4.5 مليار جنيه والقدرة الإنتاجية 140 مليون لقاح بشرى سنويًا و5 مليارات لقاح بيطرى.