رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

مرت يوم السبت الماضى الذكرى الـ27 لـ«يوم الصحفى المصرى».. التى تتزامن مع انتفاضة الصحفيين ضد القانون رقم 93 لسنة 1995، الذى أطلق عليه قانون اغتيال حرية الصحافة، حتى تم إسقاطه بعد مواجهة من الجمعية العمومية للصحفيين امتدت لأكثر من عام وانتهت بصدور القانون الجديد رقم 96 لسنة 1996.

هذه الذكرى تعيد إلى الأذهان الدور الكبير الذى قامت به جريدة الوفد ورئيس تحريرها الكاتب الصحفى جمال بدوى فى كشف العبث بحرية الصحافة الذى ارتكبته عصابة من ترزية القوانين التى تخصصت فى تفصيل المواد القانونية على مقاس السلطة فى ذلك الوقت، الذى تغولت فيه السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وحولتها إلى مجرد بصامة على المشروعات التى تريد الحكومة تمريرها بقوى من قبضتها!

فى هذه الفترة كنت أواظب على حضور اجتماعات اللجنة التشريعية بمجلس الشعب خلال عملى كمحرر برلمانى لجريدة الوفد، وفى أحد أيام شهر مايو عام 1995، التقيت بالصدفة فى مصعد مجمع اللجان البرلمانية مع كمال الشاذلى وزير شئون مجلسى الشعب والشورى، وكان يحمل تحت إبطه تقريرًا من الواضح أنه مهم لأنه كان ينظر إلى غلافه الخارجى ويعيده مرة أخرى، منذ ركوبه المصعد من الدور الأرضى حتى مقر اللجنة التشريعية بالدور السادس، نزلت معه وجلست فى القاعة ودعانى للحديث معه قبل الاجتماع وأخبرنى أن الموضوع عادى، مجرد تعديل قانون العقوبات، كان يعتقد أننى على علم بالمخطط الذى أعده ترزية القوانين وبعضهم كانوا أعضاء فى مجلس الشعب لذبح حرية الصحافة، وكنت من جانبى أشعر بأن هناك موضوعًا مهمًا، دون أن أعرف تفاصيله، كان «الشاذلى» قلقًا ويود أن أغادر الاجتماع لكن علاقتى به لا تسمح له بأن يحرض من يقم بإخراجى من الاجتماع، وبدأ الاجتماع، وتم سنّ السكاكين، وكانت رئيسة اللجنة التشريعية فى ذلك الوقت الدكتورة فوزية عبدالستار، صحيح أن التعديل كان فى قانون العقوبات، وليس فى قانون سلطة الصحافة، ولكن الألغام التى تم دسها فى المواد المعدلة أو المضافة، وضعت لفرض قيود جديدة على العمل الصحفى، وتغليظ العقوبات فى جرائم النشر، وإلغاء ضمانة عدم الحبس الاحتياطى للصحفيين فى هذه الجرائم، حصلت على مشروع القانون ودونت كل المناقشات التى دارت حوله، وما انتهى إليه رأس اللجنة، وطرت إلى جريدة الوفد فى مكانها الحالى بالدقى، وسلمت مشروع القانون إلى الأستاذ جمال بدوى، رئيس التحرير وكتبت تقريرًا صحفيًا انفردت به جريدة الوفد وحمل المانشيت الرئيسى فى الصفحة الأولى نفس العنوان الذى بنيت عليه نقابة الصحفيين حجتها للاحتجاج على مشروع القانون وهو قانون اغتيال حرية الصحافة وصدرت الوفد فى اليوم التالى بهذا الانفراد، كما كتب الأستاذ جمال بدوى مقالًا يحمل نفس العنوان ومن يومها خرج جمال بدوى ولم يعد. وأقصد بالخروج بأنه انتقل من بولس حنا مقر جريدة الوفد إلى عبدالخالق ثروت حيث توجد نقابة الصحفيين ليكون أول المتظاهرين فى النقابة ضد اغتيال حرية الصحافة، ولم يعد جمال بدوى حتى صدور قرار رئيس الجمهورية بتجميد مشروع قانون الحكومة.

بعد صدور قانون ذبح الصحافة عقدت نقابة الصحفيين برئاسة النقيب إبراهيم نافع جمعية عمومية طارئة حضرها أكثر من 1500 صحفى من كل التيارات ودخل الصحفيون فى اعتصام مفتوح، وكان جمال بدوى فى مقدمة الصحفيين المعتصمين، الذى رفض أن يغادر النقابة إلا بعد تحرير رقبة صاحبة الجلالة من القيود، وتمسكت الحكومة ومجلسا الشعب والشورى بالمشروع الذى تبناه الترزية الذين جاءت لهم الفرصة على طبق من ذهب لأن التعديلات كانت تفرض عقوبة الحبس على نقد الشخصيات النيابية، وبررت الحكومة القانون بوجود تهديد للديمقراطية من تمتع حرية الرأى والتعبير بآفاق لم تبلغها من قبل مع ضعف العقوبات الواردة فى قانون العقوبات فيما يتعلق بحرمة الحياة الخاصة. كما استندت الحكومة إلى عدم دستورية تمييز الصحفيين والكتاب وغيرهم من المواطنين الذين يعبرون عن آرائهم بغير طريق الصحافة رغم أن المراكز القانونية واحدة. وقالت إن التميز يتعارض مع المادة 40 من الدستور التى تقرر المساواة بين جميع المواطنين.

صدّق «مبارك» على مشروع قانون الحكومة كما وافق عليه مجلسا الشعب والشورى، والتقيت كمال الشاذلى بعد نشر القانون فى الجريدة الرسمية وقال بالحرف الواحد: «الصحفيون ليس على راسهم ريشة»، وكتب جمال بدوى رئيس تحرير الوفد عدة مقالات فى الوفد كما قامت الصحيفة بالعديد من التغطيات الصحفية للدفاع عن حرية الصحافة واستمرت نقابة الصحفيين فى انعقادها الدائم ضد القانون وتلقت رسالة من الأستاذ هيكل، جاء فيها أن هذا القانون يعكس أزمة سلطة شاخت فى مواقعها، وهى تشعر بأن الحوادث تتجاوزها ثم لا تستطيع فى الوقت نفسه أن ترى ضرورات التغيير.

بالفعل كان مشروع قانون اغتيال حرية الصحافة الذى بصم عليه مجلس الشعب ومن قبله مجلس الشورى بصفة أن القانون من القوانين المكملة للدستور وأن رئيس مجلس الشورى هو رئيس المجلس الأعلى للصحافة ولكن القانون مر على طريق سلطة «الشاذلى»، الذى كان يدير المجلسين بـ«حاجب عينه»!

أقول بالفعل كان هذا المشروع يحمل نصوصًا مترهلة سيئة السمعة والسيرة، وكلمات مطاطة مثل ازدراء الحكومة كأنها بالونات منفوخة تشارف على الانفجار، تعكس حالة انفصام يصعب معها التقاء الأمل مع الإرادة.

لم يقو القانون الظالم على الوقوف أمام إرادة الصحفيين، ونجحت ومنعتهم من إعداد مشروع القانون رقم 6 لسنة 1996، وقال «مبارك» كلمته وتم تجميد إحالة الصحفيين للحبس الاحتياطى مؤقتًا، وعرض مشروع القانون المثير للجدل للمحكمة الدستورية.