عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

بعد نشر المقال السابق عن د. محمد حمدى إبراهيم رأيت فيما يرى النائم رفيق دربه د. أحمد عتمان، أستاذ الدراسات الكلاسيكية الشهير الذى مر على رحيله عن دنيانا الفانية عشر سنوات كاملة هذا العام، أتانى مبتسماً وهو ينظر إلى بنظارته السميكة قائلاً: أين بقية أضلاع المثلث يا درش!! فقمت إليه محاولاً احتضانه قائلاً: أنت صاحب المكانة العليا فى القلب والعقل أستاذى الكريم. أنت من جعلنى حديث أعضاء الكنترول حينما كنت ترصد نتيجتى فى الليسانس وتعلن لهم حصولى على درجة ممتاز مادة بعد أخرى، أنت أول من جذبنى إلى الكتابة فى المجلات الثقافية حينما أسست مع أ. عبدالرحمن فهمى مجلة القاهرة الأسبوعية فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى حين دعوتنى للكتابة عن «الحب الأفلاطونى» فى باب التعريف بالمصطلحات الفكرية، وكان ذلك سبباً فى أن يستدعينى رئيس التحرير لأكتب سلسلة مقالات عن الفلاسفة وأفكارهم فبدأت سلسلة مقالات تحت عنوان «فلاسفة أيقظوا العالم» فكان ذلك الكتاب الذى لا يزال يبهر كل من يقرأه ببساطة الأسلوب وعمق الطرح فى الرد على كل من يهاجمون الفلاسفة متجاهلين دورهم المحورى فى التقدم الحضارى للبشرية!، أنت من دعانى للمشاركة فى الاجتماع التأسيسى للجمعية المصرية للدراسات اليونانية والرومانية برئاسة أعظم وزراء الثقافة فى تاريخ مصر الحديثة د. ثروت عكاشة، فأصبحت عضواً مؤسساً لها ومشاركاً فى كل أنشطتها وخاصة مؤتمراتها السنوية بين مصر واليونان وإيطاليا وقدمت من خلال هذه المؤتمرات أهم أبحاثى العلمية على الإطلاق وما زلت أتذكر المعترك الفكرى الذى شهد تقديم بحثى «أفلوطين فيلسوفاً مصرياً» وسط جمع عالمى من الأساتذة فى المتحف الرومانى بالاسكندرية ومشاركتك وبعض الأساتذة الأجانب فى الدفاع عن فكرتى والأسانيد التى قدمتها!!، وما زلت أتذكر حينما لم أستطع السفر إلى إيطاليا فى المؤتمر التالى كيف أنك كلفت البروفيسور إسحاق عبيد وهو من هو فى بلاغته وإتقانه للغات الأوروبية قديمها وحديثها بتلخيص وعرض بحثى عن «دور فكرة العلية فى ميتافيزيقا برقلس» ولاقى اهتماماً من الحاضرين ونشر فى أعمال المؤتمر بإيطاليا!! إن أياديك البيضاء على وعلى كل تلاميذك ومحبيك لا تعد ولا تحصى..

إن د. أحمد عتمان كان فى اعتقادى أشبه بمؤسسه ثقافية دولية متكاملة الأركان شديدة الفاعلية وقوية التأثير، فهو لم يكن مجرد أستاذ يدرس ويترجم أعظم وأهم الأعمال فى التراث اليونانى والعالمى، ولم مجرد صاحب مدرسة علمية متميزة فى حقل تخصصه امتدت بين مصر واليونان وإيطاليا، لقد كان صاحب رسالة حضارية تؤمن بضرورة الحوار بين الثقافات وخاصة تلك التى نبعت وتفرعت من أصل واحد، إنه كان ابناً أصيلاً للحضارة المصرية بكل تاريخها وأصالتها فى الوقت الذى أخلص فيه لدراسة الآداب الإغريقية والرومانية ونظر إليها وأرخ لها باعتبارها تراثاً عالمياً أثرى التطور الحضارى للبشرية. ومن هنا نسطيع أن نتفهم الروح الوثابة لكل ما يربط مصر بحضارة البحر المتوسط والحضارة العالمية فى توجهات وكتابات والمناصب التى تولاها د. أحمد عتمان..

فقد كان هو مؤسس الجمعية المصرية للآداب المقارن كما كان المؤسس للجمعية المصرية للدراسات اليونانية والرومانية، وكان ممثلًا لها لدى الاتحاد الدولى للجمعيات الكلاسيكية، وشغل منصب أمين عام المؤتمر العلمى الأول الذى نظمته الجمعية عام 1986، وسكرتير عام المؤتمر الثانى الذى نظمته الجمعية بالتعاون مع المعهد الثقافى الإيطالى عام 1989 وقد دارت موضوعاته حول العلاقات الحضارية بين مصر وروما، وطبعت أعماله فى إيطاليا عام 1991، كما عين مستشاراً لوزير التعليم العالى لشئون مكتبة الإسكندرية عام 1989، واختير عضو شرف بأعرق وأكبر جمعية أدبية يونانية وهى البرناسوس ومقرها أثينا عام 1991، وعمل أستاذاً زائراً ومحاضراً بعدد من الجامعات العربية واليونانية والإيطالية والفرنسية والألمانية والأيرلندية، كان يقوم خلالها بتدريس الدراسات الكلاسيكية والأدب المقارن والمسرح، كما اختير عضواً باللجنة الاستشارية باليونسكو الخاصة بالتعددية اللغوية والتعليم المتعدد اللغات فى مشروع السلام اللغوى، وعضواً بمجمع اللغة العربية الليبى، وعضواً مراسلاً بالمؤسسة اليونانية للثقافة، لقد أسس وشارك فى عشرات المؤتمرات والمنتديات الدولية التى تخص الحوار الحضارى والتواصل بين الثقافات ما أهله للحصول على عدة جوائز مصر ية وعربية ودولية منها: جائزة جامعة القاهرة التقديرية، وجائزة نجيب محفوظ فى الآداب، عام 2005، وأدرج اسمه فى عدد من الموسوعات المصرية والعالمية، كما اختير ليكون سفيراً للحضارة الهللينية فى الشرق الأوسط من قبل المؤسسات اليونانية المعنية ضمن ثمانية سفراء على مستوى العالم.

رحم الله هذا الأستاذ العملاق الذى ملأ الدنيا علماً وكان كالشعلة التى أضاءت للكثيرين فى العالم درباً جديداً فى عالم الدراسات الكلاسيكية والإنسانية.

[email protected]