رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

مصر كانت أول مجتمع مدنى فى تاريخ البشرية، تشكلت فيه أمة نشأ بين أفرادها نوع من التفاهم والانسجام، وكان للقدرات العسكرية التى تتمتع بها مصر دورها فى صدر هجمات الغزاة والمعتدين على مر التاريخ، وفى الدفاع عن الإسلام والعروبة، كذلك ساندت مصر جميع حركات التحرر فى الوطن العربى ودافعت عن قضايا العرب ومشكلاتهم، ولعل العبء الذى تحملته مصر فى الدفاع عن القضية الفلسطينية منذ بدايتها خير دليل على ذلك. كما تحملت مصر مسئولية نشر التعليم فى معظم أجزاء العالم العربى، فى الوقت نفسه اضطلعت بمسئولية السعي نحو الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، مجسدة قيم الاعتدال والتسامح والتعايش التي تمثل جوهر تعاليم الإسلام السمحة. 

إن مصر لها مكانة عظيمة فى الإسلام، ولذلك ذكرت فى القرآن الكريم خمس مرات صراحة، وفى مصر مشاهد تاريخية تفيض بالذكريات الغالية مثل نهر النيل، وطور سيناء الذى كلم الله فيه سيدنا موسى تكليمًا، فمصر على أرضها ولد سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام وعاش على أرضها سيدنا إبراهيم وتزوج منها، ودخلها نبى الله يعقوب عليه السلام وأولاده الأحد عشر وسبقهم إليها نبى الله يوسف عليه السلام، وقدم إليها نبى الله عيسى بن مريم عليه السلام.

ولمكانة مصر الكبيرة فقد أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال فيما روى عن أبى ذر رضى الله عنه: «إنكم ستفتحون مصر، وهى أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإنهم لهم ذمة ورحما».

تتمتع مصر بموقع جغرافى مميز مكنها من لعب دور مهم فى صياغة السياسات الإقليمية والدولية فى فترات الحرب والسلام، ومنحها مكانة منفردة فى العالم بملتقاه الآسيوى والأفريقى، وجعلها من اللاعبين المبار بمنطقة الشرق الأوسط منذ عقود طويلة.

هذا الموقع المتفرد حفز كثيرًا من العلماء والمفكرين على شرحه وبيان أهميته وخصائصه وأثره وتأثيره على مصر فى الداخل والخارج، ويمثل كتاب الدكتور جمال حمدان «شخصية مصر» دليلا قويا فى هذا السياق، لقد استفاض المؤلف فى المجلدات الأربعة فى شرح شخصية مصر الإقليمية والبشرية والزمانية والمكانية ولخص ذلك فى قوله: «لمصر شخصيتها الإقليمية التى تضفى عليها تميزها وانفرادها عن سائر الدول فى الأقاليم المختلفة، إنها فلتة جغرافية فى أى ركن من أركان العالم». وهدد أهمية الموقع ومكانته قائلا: «إن عبقرية مصر الإقليمية تستند إلى محطة التفاعل بين معبرين أساسيين هما: الوضع والموقع، حيث يقصد بالوضع البيئة بخصائصها وحجمها ومواردها فى ذاتها، وهى البيئة النهرية الفيضية بطبيعتها الخاصة، أما الموقع فهو الصفة النسبية التى تتحدد بالقياس إلى توزيعات الأرض والناس والإنتاج وتضبط العلاقات المكانية التى ترتبط بها.

من هذا المنطلق تبوأت مصر مكانتها الإقليمية والدولية المتميزة والتى أتاحت لها القيام بدور مؤثر وفاعل لا يمكن إغفاله أو التغاضى عنه، استمدته عبر مقومات رئيسية من أهمها الامتداد الطبيعى لمصر عبر القارات فهى تقع فى شمال شرق قارة أفريقيا، ولكنها أيضا ذات امتداد آسيوى حيث يقع جزء من أراضيها داخل قارة آسيا، وهى شبه جزيرة سيناء. هذا الامتداد جعلها بمثابة البرزخ الذى مرت عبر أراضيها الديانات السماوية، كما كانت وستظل الملتقى الرئيسى للتفاعل الثقافى والفكرى بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب. كما كانت مقرا لحضارات متواصلة بدءًا من الفرعونية مرورًا بالإغريقية والرومانية وانتهاء بالحضارة القبطية والإسلامية، إضافة إلى أنها أقامت أول جسور مع الحضارة الأوروبية الحديثة.

لقد أصاب الأديب الكبير عباس محمود العقاد كبد الحقيقة فيما يتعلق بأهمية مكان مصر ومكانتها، حيث كتب مقالا بمجلة «الهلال» حمل عنوان «نحن المصريين»، قال فيه: «نحن فى بقعة من الأرض لا يستقر العالم إذا اضطربت ولا يضطرب العالم إذا استقرت، ولم يحدث فى الزمن الأخير حدث عالمى قط إلا كان رده وصداه على هذه البقعة فهى حاجز الأمان بين المشرق والمغرب وبين المتنازعين فى كل وجهة، وعندنا مصفاة الثقافات والدعوات، فإذا استخلصنا شيئا من الغرب وشيئا من الشرق، فليس أقدر منا على تصفية الخلاصة لبنى الإنسان جميعا فى ثمرة لا شرقية ولا غربية تضىء ولم تمسسها نار.