عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

دخلت عنبر «9» خلسة واستجبت لرجاء من الدكتور حسين الصيرفى، رئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب، بعدم نشر الصور التى التقطتها، بعد وعد بتصحيح الأوضاع الخاطئة فى مستشفى الصحة النفسية بالعباسية!. أنشئ مستشفى العباسية للصحة النفسية عام 1883، كان فى السابق قصراً لأحد الأمراء، واندلع فيه حريق كبير التهم القصر، ولم ينجُ من ذلك الحريق سوى مبنى مكون من طابقين، تم طلاؤه باللون الأصفر، وتحول بعد ذلك إلى أول مستشفى لعلاج الأمراض العقلية بالقاهرة، ليطلق عليه السرايا الصفراء.

فى فترة التسعينيات تلقى مجلس الشعب عدة استغاثات تسربت تفاصيلها من مستشفى العباسية عن سوء معاملة المرضى العقلية، وحدوث وفيات بين المرضى بسبب سوء وجبات الأغذية المقدمة لهم، وحدوث انتهاكات بدنية وجنسية لبعضهم، واحتجاز سيدات أصحاء بتوصية من أسرهم للاستيلاء على ميراثهن، وبقاء مرضى داخل المستشفى بعد شفائهم لعدم رغبة أسرهم فى خروجهم، أمام ضغوط الشكاوى، كلف رئيس مجلس الشعب وكان فى ذلك الوقت الدكتور أحمد فتحى سرور، لجنة الصحة بالمجلس، وكانت برئاسة الدكتور حسين الصيرفى، نائب إيتاى البارود بالبحيرة بتشكيل وفد برلمانى من أعضاء اللجنة لزيارة مستشفى الصحة النفسية بالعباسية للقاء المسئولين به، وبحث الشكاوى المقدمة ضد المستشفى والقيام بجولة فى مطبخ المستشفى للتأكد من نوعية الطعام الذى يحصل عليه المرضى وجودته، وسلامته للاستهلاك الآدمى، وأن تتضمن الزيارة إعداد تقرير تقدمه اللجنة بعد عودتها إلى رئيس مجلس الشعب تشرح فيه الواقع داخل المستشفى ويقترح التوصيات لمناقشته فى الجلسة العامة للمجلس.

كشف الزيارة ضم أسماء بارزة من أعضاء مجلس الشعب، بعضهم أطباء أعضاء بلجنة الصحة، وعلى رأسهم الدكتور حسين الصيرفى رئيس اللجنة، والنائب المهذب، المؤدب، الخلوق عف اليد واللسان، وكنت أنا كاتب هذه السطور، وزميلى محمود نفادى شيخ المحررين البرلمانيين أو أسطى الصحافة البرلمانية، ونائب رئيس تحرير الجمهورية فى ذلك الوقت.

فى تلك الفترة كانت هناك عيون لكل جهة على أجهزة الرقابة، وكانت الزيارات المفاجئة، تعد لها الجهات الحكومية الخاصة للرقابة قبلها بأسابيع، وتمر برضه مفاجئة. عندما اقترب الأتوبيس الذى كان يقل أعضاء اللجنة من أبواب مستشفى العباسية، ضربت الدفوف والطبول، واستقبلنا المرضى والعاملون بالبالونات، واصطف البعض طوابير يؤدون التحية، الطرقات نظيفة، تفوح من كل المكان رائحة العبير، الكل لابس جديد فى جديد، فلم نعد نفرق بين المرضى النفسيين، الذين كان البعض يطلق عليهم مجانين وبين الأطباء والممرضين، دخلنا مطبخ المستشفى الذى كان أول شكوى من سوء الطعام، الحلل على المواقد تفوح منها رائحة الأكل الطيب، لحوم، وقلقاس وأرز، المكان يوحى بأننا فى فندق خمس نجوم!

واجه الدكتور حسين الصيرفى مدير المستشفى والإداريين والعاملين بالشكاوى، وكانت هناك ملاحظات اعترف بها المستشفى، والتقت اللجنة بعدد من المرضى رجال، وسيدات، وكانت هناك إيجابيات وسلبيات، وتركزت الشكاوى فى أن بعض المرضى ترفض أسرهم استلامهم رغم شفائهم، وأن بعض الفتيات تم إدخالهن المستشفى للاستيلاء على ميراثهن.

المواجهة كانت جادة، لكن الأشد منها أننى وزميلى محمود نفادى تسللنا إلى أحد عنابر المستشفى ويطلق عليه عنبر الخطرين أو عنبر «9» وهو مشهور داخل وخارج المستشفى، وطلبنا من حارس العنبر أن يقوم بفتحه، فرفض لأنه لا يتم فتحه إطلاقاً إلا بتوجيهات رسمية، وقمت بتقديم الأستاذ نفادى إلى حارس العنبر بأنه وكيل مجلس الشعب، وطلبت من الحارس فتح الباب وإلا سيعرض نفسه للمسئولية، فقام بفتحه، ودخلنا العنبر، ويا لهول ما وجدنا، ولا داعى للحديث عنه، ولكن قمت بتصوير مَن بداخل العنبر بكاميرا صغيرة، وخرجت مهرولاً إلى الدكتور حسين الصيرفى لأخطره بما يحدث فى عنبر الخطرين، وسمع مدير المستشفى، وعاتب الدكتور حسين، واعتذر عن عدم زيارة اللجنة له، واستأذننى الدكتور حسين الصيرفى بعدم نشر الصور فى الوفد بعد أن تعهد مدير المستشفى بتصحيح الأوضاع الخاطئة داخل العنبر، وأن هذا التصحيح هو رسالة الصحافة لأن النشر سيتسبب فى اساءة لسمعة المستشفى، وطلبت نشر صورة واحدة وظهرت فى الصحفة الأولى بالوفد، وتم تصحيح الأوضاع، كما كانت زيارة اللجنة البرلمانية إلى المستشفى سبباً فى تعديل قانون الصحة النفسية، وأصبح من حق المريض أن يدخل المستشفى بإرادته، ويخرج على مسئوليته دون ضمان من أسرته، كما تمت العناية بالأغذية والنظافة، والكف عن تعذيب المرضى، أو استغلالهم، وتم ذلك من خلال شخصية برلمانية قيادية اسمها الدكتور حسين الصيرفى ابن عائلة الصيرفى بالبحيرة.

منذ أيام علمت بوفاة الدكتور حسين الصيرفى وإذ أنا أنعاه فإننى أعزى أسرته وعائلة الصيرفى العريقة بالكامل، وهى عائلة برلمانية من أوائل العائلات القديمة التى جرى تمثيلها داخل مجلس شورى النواب فى عهد الخديو إسماعيل، حيث انتخب فى الدورة الأولى لهذا المجلس الشيخ محمد الصيرفى بك عمدة قرية قليشان قسم النجيلة بالبحيرة، وكان من النواب المهتمين بمشكلات الفلاحين فى منطقته، كما انتخب محمد الصيرفى وكيلاً لمجلس النواب المصرى فى عهد الخديو توفيق، وتولى أبناء عائلة الصيرفى على عضوية البرلمان، منهم محمد عبدالسلام الصيرفى، حسين الصيرفى حسام الصيرفى مساعد وزير الداخلية الأسبق وأمين الصيرفى.