رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

لنا الحاضر، ندوس على الأرض بكبرياء الحياة. نمتلك الفعل، فنتصور أننا أقوى وأغلب وأقدر. أما مَن مات، فنحسبه فات، غاب، ابتعد، وصار منسياً إلا للحظات ذكرى لدى الأوفياء قد لا تدوم. ذلك ديدن الأمم المغلوبة، الناعسة، التى وإن ادعت سعيها للمستقبل، تظل تائهة لأنها لم تصن ماضيها.

ذلك مُهم قبل الدخول فى الموضوع، وهو ظاهرة محو قبور النبغاء عن قصد ودون قصد. تتكرر الحكاية بحذافيرها الموجعة عبر الأزمنة دون أن يخطط أحد لتبديل فعل ما. يُخطط المطورون دائماً لمشروع حضارى جديد يستهدف التوسعة، والتطوير، فيدهس فى طريقه عظام الخالدين، ينثرها كأن لم تكن، فتتوه تحت لافتة التطوير العمراني.

وبلا مبالاة مماثلة تلاشى قبر أحد عظماء التأريخ المصرى الوسيط وهو تقى الدين المقريزى، الذى أنار أفهامنا بتاريخ قيم لعصور غائبة. والغريب أن المقريزى نفسه كتب يوماً يعيب على الأمير جهاركس الخليلى نبشه لقبور الخلفاء الفاطميين فى مصر ليبنى مكانها سوقه الشهيرة «خان الخليلى»، فقال داعياً للاعتبار: «إن موته كان عبرة لأولى الألباب، عقوبة من الله تعالى بعد أن هتك رمم الأئمة وأبنائهم».

والآن نقف مذهولين أمام قبور عظماء منحونا عطاء خالداً، تُهددها معاول الهدم وجرافات المحو سعياً لفتح طريق جديد. تُنكر أسماعنا وعيوننا وعقولنا أن يُقرر مسئول ما هنا أو هناك هدم قبر شاعر عظيم مثل حافظ إبراهيم، عاش منصفاً ومعلماً ومنيراً لوطنه وناسه ونهلت من إبداعاته أجيال وأجيال. لا نريد أن نُصدق أن تسوى الأرض بقبر شاعر وقائد وطنى عظيم مثل محمود سامى البارودي. ولا نتمنى أن تكون الصور المتداولة لقبر الإمام ورش أحد أصحاب القراءات السبع للقرآن الكريم وهو على وشك الإزالة صحيحة.

سيقول البعض إن الحى أولى من الميت، وإن التطوير سُنة الحياة، وأن أديم هذه الأرض كما قال أبوالعلاء المعرى من أجساد السابقين، لكن مَن قال إنه لا يصح الجديد إلا بمحو القديم. ما يدفع أحداً أن يزيل زمناً تحت أى ظرف؟ كيف تطمس سير وذكريات وتواريخ لعظماء يستحقون احتفاءنا ووفاءنا؟

إن العالم المتمدن يخلد عظماءه من علماء ومبدعين ومفكرين. يكرمهم فى حيواتهم، ويُحتفى بذكراهم ويضيء قبورهم بعد رحيلهم لتستقبل الزوار والممُتنين من محبيهم جيلاً بعد جيل.

أقول لمن يعى فى هذا الوطن: افتح طريقاً جديداً، لكن لا تغلق نافذة عطاء. أقم صرحا جميلا دون أن تُفتت صروح السابقين. وقبل أن تصنع عالمك، صُن ذكرى الأخيار.

والله أعلم.

 

[email protected]