عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المعونة ورقة الأمريكان المحروقة لتركيع مصر

جمال محرم
جمال محرم

أدركت الولايات المتحدة الأمريكية تمامًا أن ورقة المساعدات الاقتصادية والعسكرية المقدمة لمصر لم تعد ذات جدوى فى التأثير على القرار السياسى فى مصر، خاصة إذا كان ذلك القرار مدعومًا بشعبية جارفة، وهذا ما كان محور مناقشات موسعة فى الأيام الأخيرة داخل الإدارة الأمريكية.

وكثيرًا ما استخدمت جزرة المساعدات الأمريكية لمصر كورقة ضغط على صناع القرار المصرى فى كثير من القضايا الخارجية والداخلية، ورغم ذلك فقد أثبتت اختبارات الإرادة السياسية أن تلويحات وتهديدات قطع المعونة تتلاشى عندما ترتفع المطالبات الشعبية برفضها، خاصة أن الشعور الشعبى بانجازاتها مازال محدودًا.
إن هذا ما دفع غرفة التجارة الامريكية بالقاهرة لتنظيم بعثة إلى الولايات المتحدة خلال أيام قليلة لنقل رسالة من القطاع الخاص المصرى إلى دوائر صنع القرار فى أمريكا مفادها أن ما جرى فى مصر ثورة شعبية وليس انقلابا عسكريا.
لقد ظلت علاقات التعاون قائمة بين الولايات المتحدة ونظام الإخوان طوال العام الماضى حيث لا يمكن التفريط فى العلاقة مع مصر أيا كانت السلطة وأيا كانت توجهاتها لان مصر دولة محورية استراتيجية ورائدة فى المنطقة.
فى لقاء صحفى لى مع مسئولين بوزارة الخارجية الأمريكية فى شهر ابريل الماضى ــ ضمن وفد صحفى زار الولايات المتحدة ــ سألت ويليام تيللور أحد مسئولى الخارجية الأمريكية عن موقف المساعدات الأمريكية المقدمة لمصر من انتهاكات حقوق الانسان، وسياسات الاقصاء الإخوانية فرد بأن وجهة النظر الامريكية أن هذه المساعدات مقدمة للشعب المصرى، وأنه بغض النظر عن أداء النظام الحاكم فإن وجهة النظر ترى استمرار المساعدات.
وقال سيلفر مان مساعد مدير إدارة الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية أن دعوات بعض أعضاء الكونجرس لتخفيض المعونة العسكرية لمصر والبالغة 1.3 مليار دولار لا تمثل توجها عاما للادارة الامريكية، وإنما تأتى فى اطار مقترحات ضغط النفقات فى ظل وجود بعض المشكلات المالية.
وقال أيضا إن هناك وفودًا عسكرية مصرية تزور الولايات المتحدة وإن التعاون الاستراتيجى بين البلدين فى أفضل مراحله.
وفى جلسة استماع جرت فى ابريل الماضى أكد مسئولو الخارجية لأعضاء الكونجرس أن المساعدات الأمريكية حققت اهدافها تمامًا خاصة على مستوى التعاون الاستراتيجى والأمنى بين البلدين.
ومن المعروف أن الإدارة الأمريكية أعلنت عقب قيام ثورة 25 يناير اعتزامها تقديم مساعدات لمصر بقيمة مليار دولار. وطبقًا لمسئول بسفارة مصر فى واشنطن فإن تلك المساعدات الأمريكية تم تقسيمها إلى 450 مليون دولار كمساعدات مالية، و550 مليون دولار كخدمات فنية وتقنية.
وأوضح ان الحكومة الامريكية ربطت تقديم المساعدات بجدية مفاوضات الحكومة المصرية للحصول على قرض صندوق النقد وتم تقسيم الـ450 مليون دولار إلى شريحتين الأولى190 مليون دولار وقد تم تقديمها بالفعل إلى وزارة المالية المصرية وقت زيارة بعثة صندوق النقد، وهناك 260 مليون دولار سيتم تقديمها لمصر فى حال توصلها إلى اتفاق رسمى مع صندوق النقد الدولى.
لقد بدأت أمريكا عقب الحرب العالمية الثانية استخدام سلاح المال للتدخل سياسيًا فى كثير من دول العالم. وفى عام 1961 أنشأ جون كينيدى الوكالة الامريكية للتنمية بأهداف معلنة هى تحسين الصحة العامة، ونشر الديمقراطية ومنع المنازعات وتوفير المساعدات الانسانية، بينما كانت الاهداف غير المعلنة هى مد شبكة النفوذ الامريكى إلى كافة انحاء العالم والسيطرة السياسية على القرارات السيادية فى الدول المحورية. وكان أول مشروعات الوكالة مشروع «مارشال» لاعمار الدول الأوروبية المتضررة من الحرب العالمية الثانية بتكلفة بلغت 13 مليار دولار.
وقد بدأت المساعدات الفعلية لمصر بعد ثورة 23 يوليو بهدف دعم الضباط الأحرار والهيمنة على مصر سياسيا بعد خروج الاحتلال البريطانى، الا أن

تراجع علاقات البلدين انتهى إلى القطيعة، ولم تعد المعونة مرة أخرى إلا عام 1975، حيث قررت الولايات المتحدة تقديم 3 مليارات دولار مساعدات لإسرائيل وتخصيص 2.3 مليار دولار لمصر كمساعدات موازية منها 815 مليون دولار مساعدات اقتصادية.
ومنذ 1998 وحجم المساعدات الاقتصادية المقدمة لمصر يتراجع فى اطراد بدعوى تحسن احوال الاقتصاد المصرى، فى الوقت الذى لم تشهد فيه المساعدات المقدمة إلى اسرائيل تراجعًا يذكر. ففى 1999 حصلت مصر على معونات اقتصادية امريكية بمبلغ 775 مليون دولار، وقد تقلص المبلغ عام 2002 ليصل إلى 655 مليون دولار ثم انخفض بعد ذلك بقيمة 50 مليون جنيه سنويا حتى وصل إلى 250 مليون جنيه فى الوقت الحالى.
وإذا كانت الثمانية والثلاثين عاما الماضية قد شهدت تقديم هيئة المساعدات الامريكية أكثر من 50 مليار دولار إلى مصر تقديرا لها على دخولها فى اتفاق سلام مع اسرائيل، فإن اكثر من نصف ذلك المبلغ انفق كرواتب وأجور للخبراء والموظفين العاملين فى إدارات حكومية ووزارات تدخل فى اطار التطوير المؤسسى، وهو ما أدى إلى نشأة طبقة من الموظفين والكوادر التابعين لأمريكا فكرًا وعملاً وأداء. فضلا عما ساد تلك المؤسسات من حقد وانقسام بين العاملين نتيجة تمييز البعض فيما يعرف بمتعاقدى «الأودا» وبين غيرهم ممن يتلقون رواتبهم الطبيعية.
وإذا كانت الحكومة الأمريكية تتحين أى فرصة للتباهى بما قدمته المعونة لمصر مع التركيز على ان 40% من اموالها ذهبت لاضاءة القرى والنجوع الفقيرة وأن 30% من تلك الاموال ذهبت لمشروعات الصرف الصحى، فإنها تتغافل دائما عما حصلت عليه من مقابل لتلك الأموال.
ويشير تقرير نشر قريبا لمكتب محاسبة الإنفاق الحكومى الأمريكى إلى الفوائد التى جنتها الولايات المتحدة من المساعدات المقدمة إلى مصر والتى من بينها طبقا للتقرير السماح باستخدام الأجواء المصرية من 2001 إلى 2005 حيث سمحت مصر بعبور 3600 طائرة من أجوائها، بالاضافة إلى نشر مصر نحو 800 جندى فى منطقة دارفور.
إن الادارة الأمريكية تدرك تماما ــ كما يقول جمال محرم رئيس غرفة التجارة الأمريكية السابق ــ أن علاقتها بمصر علاقة استراتيجية لا يمكن التفريط فيها. ويتضح ذلك من تغيّر الخطاب الرسمى الأمريكى من الثورة المصرية فى الايام الأخيرة حيث تأكد لديها أن ما جرى فى مصر ليس انقلابا عسكريا وانما هو استجابة من القوات المسلحة لمطالب الشعب.