رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بائعات الريف: سيدات فى أثواب الرجال

بوابة الوفد الإلكترونية

 

جئن من قرى الريف يحملن هموماً ارتسمت على ملامحهن، وجوهًا كستها الشمس حُلّة من السمار ليصبحن نساء الشمس حقًا، يشمرن عن سواعدهن مرحبات بمعارك الحياة، بعد أن خذلتهن الظروف وربما الأشخاص خرجن يحملن المسؤولية من أجل الأبناء وستر بيوتهن، بعضهن لديهن أزواج عاطلون يبحثون عن عمل لكن دون جدوى، وبعضهن هجرهن الزوج أو توفى لتجد المرأة نفسها وحيدة فى معركة الحياة، تحارب بلا سلاح سوى الصبر والعمل.

ركود وتضخم قضى على فئة كبيرة من العمالة غير المنتظمة، حتى الفِلاحة وتربية الطيور والماشية أصبحت لا تأتى بهمها، لسان حال نساء الريف فى أسواق المدن يردد تلك الكلمات فى امتعاض مما آلت إليه الظروف الاقتصادية.

تتعالى الصرخات، لا تشكو شقاء عمل ولا طول سعى وكد، وإنما تشكو وقف حالٍ وركودٍ وغلاء نال من كل شيء، القرويات لسن أفضل حالًا من شقائقهن فى المدن، جميعهن يشكون مُر الحياة وصعوبة العيش. 

التقت «الوفد» بعدد من بائعات الريف فى سوق الجمعة، بحى إمبابة، لرصد ما تجيش به صدورهن فى رحلتهم اليومية من قراهن إلى أسواق المدن تكشفت خلالها الهموم والضيق الذى تعيشه نساء الشمس.

 

أمينة: حرمنا ولادنا من اللحمة والفراخ.. فماذا نفعل مع الأرز والزيت؟

أمينة عبدالمجيد أبوحمدة، امرأة أشرفت على الستين عامًا، من قرية بُرطس التابعة لمركز أوسيم بمحافظة الجيزة، قالت: إنها تأتى إلى سوق الجمعة فى إمبابة يوميًا، تشترى الخضراوات من تجار الجملة فى السوق وتجلس لبيعه.

وتتابع «أمينة»: عملت فى بيع الخضار منذ ثلاثين عامًا، ولدى 9 أبناء، خمسة فتيات وولدين تزوجوا من شقايا و«الطشت الزنج» على رأسى، زوجى أرزقى على الله يوم يشتغل وعشرة قاعد، وتعلق: «كنت تعبانة وشقيانة من صغرى دايمًا اشترى وأبيع علشان أصرف على عيالى».

تواصل بائعة «الخضار» حديثها قائلة: حدث كسر فى قدمى وأجريت عملية، ورُغم ذلك أخرج وأجرى غصب عنى من أجل مصاريف الأبناء وغلاء المعيشة، معلقة: «أعمل إيه أجوع عيالى؟.. لازم أأكلهم واسترهم، أحتاج إلى المساعدة لكن نسأل الله». 

وبسؤالها حول ارتفاع الأسعار والركود وقلة البيع تقول: «السوق دائمًا يحكم البائع والزبون، أيام الحال يكون ماشى نبيع ونكسب، وأيام الخضار يكون غالى نمشى مع السوق ونبيع بأسعار الجملة، وأوضحت أن سعر البامية وصل إلى 50 جنيهاً فى الجملة، لو قولت للزبون بــ60 جنيهاً يمشى، أضطر أبيع بسعر الجملة، متسائلة: أعمل إيه أكلها؟.. لازم ألم فلوس الناس قبل الحاجة ما تخسر.

وتضيف: «عيالنا اتحرموا من اللحمة والفراخ، الفرخة 2 كيلو بـ200 جنيه، والتموين كمان غالى كيلو الأرز بــ35 جنيهاً وزجاجة الزيت بـ45، نموت عيالنا من الغلاء ولا نعمل إيه؟». 

 

أم محمد: نبيع بالخسارة وحالنا واقف

لا يتوفر وصف.

تلتقط أطراف الحديث فى غضب وامتعاض مما آلت إليه الأسعار والركود الأسواق، امرأة خمسينية تُدعى «أم محمد»، بائعة خضار، تفترش الأرض فى سوق إمبابة، جاءت من إحدى قرى محافظة الجيزة، تقول: «ملناش طلب غير إن الأسعار تنزل، بجرى على خمس عيال، وجوزى عامل بناء عاطل فى البيت لا يجد العمل، والحال واقف معانا، نأخذ الخضار من تجار الجملة فى السوق ونبيعه بالخسارة، وأصبح اليوم اللى نكسب فيه نادر».

وتتابع أم محمد: «موظفو الدولة دخلهم يزيد وإحنا لا عندنا قبض ولا صرف ولا دخل، وكل يوم فى غلاء، هنعمل إيه ونجيب منين؟»، قدمت فى تكافل وكرامة ثلاث مرات والأوراق تترفض والناس عندهم أرض وملك ويتقبله ويأخذوا المعاش وإحنا لا.

وأضافت قائلة: «إن لم أسع يومًا لن أجد ما أطعم به أبنائى الخمسة، وجميعهم فى التعليم، وحلم عمرى أن يكملوا تعليمهم كلهم بنات وولد وحيد عنده ثلاثين سنة ولم يتزوج حتى الآن وليس له مهنة أو عمل»، أما البنت الكبيرة فكل ما يجيلها عريس أمشيه وأقول هنجهزها منين، خمس بنات قاعدين جانبى بسبب الغلاء والظروف، الثلاجة بــ15 ألف جنيه والبوتاجاز بــ8 آلاف جنيه، أجهز البنات منين؟

 

الفلاحة الفصيحة

وتقول الفلاحة الفصيحة: «تعبنا من الغلاء لم نعد نجد ما نطعم به أبناءنا، لا أعرف أجيب لهم فرخة ولا كيلو لحمة، حتى البيض واللبن طالهم الغلاء، كيلو اللبن بــ 24 جنيهاً والبيضة بــ 4 جنيهات، من أجل إفطارهم ومصاريفهم احتاج إلى 100 جنيه، أكمل باقى اليوم منين، أقل بيت يحتاج إلى 300 جنيه مصاريف يومياً».

وتواصل: «ليس لنا أماكن فى السوق، وندفع أرضية المكان للتجار الكبار، وكل واحد على مزاجه يقعدنا أو يمشينا، نتحمل الإهانة مـن اجل أبناءنا، يا ريت يكون فيه أماكن مخصصة فى السوق للغلابة من أمثالنا ترحمنا من البهدلة».

وطالبت فى ترجى بضرورة تخفيض أسعار الدواجن واللحوم، قائلة: «نزلوا أسعار الفراخ واللحمة عايزين نعرف نأكل العيال»، وتواصل: «إيدى مكسورة محتاجة عملية بــ10 آلاف جنيه وما قدرتش أعملها، ولا أقدر أجيب كيلو لبن لتقوية عظامى، وبردو ما أقدرش أقعد فى البيت، لو قعدت يوم لن أجد «لقمة» لأبنائى.

وأضافت: «كنا نربى الطيور البلدى فى البيوت، وكنا نذبح بطة أو فرخة للعيال، لكن الأعلاف غليت ووصل الكيلو لــ 32 جنيهاً، وتكلفة التربية أصبحت عبئاً علينا، وأصبحنا مش عارفين ناكل لقمة فلاحى، والتموين غلى، كيلو الدقيق وصل لــ 20 و22 جنيهاً، والأرز بــ35 جنيهاً فى الأسواق والزيت بــ45 جنيهاً، حرمونا من كل نعم ربنا علينا، نموت عيالنا طالما مش قادرين نأكلهم».

 

بائعة الفاكهة: الغلاء بلع شقانا وحرم عيالنا

 

وتقول أم وليد، امرأة خمسينية تجلس تحت حرارة الشمس الحامية، جاءت من قرية المناشى التابعة لمركز منشأة القناطر لتبيع الفاكهة فى سوق الجمعة بإمبابة: «ظروفنا يعلمها ربنا، زوجى لا يعمل ومعايا ثمانية أبناء، وكل حاجة غليت، لا عارفين نأكل لحوم ولا أسماك ولا فراخ، طول عمرنا شقيانين ولا اشتكينا لكن كنا عايشين مستورين ونشتغل ونلاقى».

وتواصل أم وليد قائلة: أحب ما علينا نفضل شغالين وشقانين والحال ميسور والدنيا ترخص للغلابة شوية، شكوتنا مش من الشقى، المشكلة إننا مهما اشتغلنا لا فيه عائد ولا فائض من الدخل، الغلاء بلع شقانا وحرم عيالنا.

وتسترسل «بائعة الفاكهة» فى حديثها عن حركة البيع والشراء فى السوق قائلة: لا فيه بيع ولا شراء الحال واقف الناس ماشية تكلم نفسها، مين يأكل فاكهة وهو مش عارف يكمل يومه إزاى؟.. الأسعار نار، الخوخ بــ 20 جنيهاً، الموز بــ 15 جنيهاً، والفاكهة الفرز الثانى بــ10 جنيهات، الناس تسأل وتتفرج وتمشى».

وأقسمت أم وليد بأبنائها الثمانية، أن عملية البيع والشراء واقفة تماماً، وهناك ركود بسبب ارتفاع الأسعار لم نعيشه من قبل، نحن لا نلوم على الناس ربنا يساعد كل واحد على حاله.

 

تكافل وكرامة

لا يتوفر وصف.

وتواصل: أبنائى فى مراحل التعليم المختلفة، وزوجى «عامل بناء» أرزقى على الله، لو شغال كنت انزل السوق وأهين نفسى ليه؟.. وتؤكد أنها لا تحصل على معاش من تكافل وكرامة، ولا حتى زوجها لم يستفد من مبادرة دعم العمالة غير المنتظمة، رغم أننا قدمنا ثلاث مرات ولم تأتى ولا نعرف سبب المنع، وليس هناك بحث حالة، مسترسلة: «الموظفين قالو له أبعث الأوراق فى البوسطة، ثلاث مرات نصرف على الأوراق ونبعثها ولا فى رد ولا جواب». 

خسائر بالجملة

 

وأضافت: «نأخذ البضاعة من سوق الجملة فى إمبابة، ونتحمل مصاريف النقل والمشال غير أرضية الجلوس فى السوق، ولو البضاعة أتباعت يبقى الحمد لله، ما أتباعتش نخسر كل حاجة».

وبسؤال «أم وليد» عن صافى أرباح يومها من عملية البيع قالت: «الأيام دى محدش يسأل يومك صفى كام، إحنا ماشين ببركة ربنا، وشغالين بالأجل أخذنا من تاجر بــ100 جنيه، آخر اليوم نعطيه 50 جنيهاً ونبقى 50 جنيهاً».

أم ناصر: جهاز البنات غالى.. وابنى ترك الحضانة بسبب 120 جنيهاً

 

وتقول أم ناصر، بائعة خضار من القناطر الخيرية: خرجت بنتى من المدرسة وجبتها السوق لمساعدتى، وتضيف: عايزين نأكل عيش كل حاجة غالية، والزبون غصب عنه يسأل عن الأسعار ويمشى، الناس تعبت وإحنا عاذرينهم، الحاجة بنجبها ونبيعها بحقها لو فيها نصف جنيه بنحمد ربنا.

واستطردت قائلة: أبنى الكبير متزوج ومعه ثلاثة أطفال ولا يعمل وأنا أعطيه مصروف هو وأبناءه، ولو زوجته تعبت أكشف عليها عند الدكتور لأنها مسئولة منىّ، وهى تقوم بأعمال البيت وأنا أنزل السوق من أجل لقمة عيشنا.

وتتابع: بنتين من بناتى تزوجتا خلال عام، والثالثة ستتزوج بعد عيد الأضحى، ولم أجهزها حتى الآن والرابعة خطبها ابن عمها، قلت له قدامك خمس سنين على الزواج فوافق، لازم يصبر علينا أى غريب لن يصبر، ومعايا ثلاثة أولاد لسه صغيرين، وأحفادى الثلاثة. 

وتضيف «أم ناصر»: زوجى فلاح «يستأجر أرض زراعية» وقيراط الأرض إيجاره ألف جنيه، ويأخذ «أسمدة وتقاوى» بمبلغ كبير غير شقاه وتعبه. 

وتحكى «أم ناصر» فى حزن: «الجاموسة رأسمالنا الوحيد أصيبت بنزلة فى ضرتها، وبطلنا نحلب لبن، كشفت عليها عند الطبيب البيطرى بــ 500 جنيه وكل يوم حقن وعلاج، ربنا يشفيها إحنا غلابة».

وتساءلت فى قهر: نعمل إيه الغلاء بهدلنا، ملناش طلب غير أن الأسعار تهدى شوية.. وأقسمت «أم ناصر» أنها فى حاجة لإجراء عملية الغضروف، وبحوزتها تحويل طبى على معهد ناصر لإجراءها، وأضافت: رفضت أعملها لن أجد من يُطعم الأبناء، وتؤكد: الغضروف يؤثر على أعصاب ذراعى اليمين ويحدث له تنميل، لكن ما باليد حيلة.

وأقسمت «أم ناصر» أنها أخرجت طفلها من الحضانة بسبب القسط الشهرى ومبلغه 120 جنيهاً، وتتابع: فضلت أحفادى على ابنى، وقلت لنفسى هدفع له ولا لأولاد أخوه، بديت ولاد أخوه عنه، ما هو أعز الولد ولد الولد.

وتحكى: طفلى الصغير يطلب منى عدم الخروج إلى السوق لينام على رجلى، لكن عندما أعود للبيت أجده نائما ولا أجد وقت للجلوس معه ورعايته، فأنا بين نارين: الغلاء لقمة العيش وكونى أم لطفل صغير.

واضافت: المواصلات غليت وأنزل سوق امبابة فى سيارة لنقل باعة الخضار، وتقول: «العربية تأخذ 100 جنيه وكيلو شنط بــ 35 جنيهاً والأرضية ثمن القعدة فى السوق 10 جنيهات، والميزان 10 جنيهات، غير ثمن الخضار الذى يرتفع كل يوم، وأضافت: «الغلاء تعبنا».

وتؤكد: أن ابنها ناصر «فلاح» يعمل فى الأرض ليس له صنعة، يأخذ الأرض إيجار ويزرع فيها الخضار، وعند جمعه أنزل السوق لبيعه، وتعلق فى حسرة: الفلاح مظلوم، ولو ابنى له وظيفة آخر الشهر يقبض مرتب نعرف نمشى نفسنا، لكن الحمد لله عايشين رزق يوم بيوم.

الزبون على حق

 

وتضيف: «نحن والزبائن تعبنا من الغلاء، لو سعر الملوخية 5 جنيهات وأبيعها بــ6 جنيهات أكسب والزبون يكون مرتاح، لكن لما تبقى بـ 10 جنيهات و15 جنيهاً من عند أصحابها نبيعها للزبون بكام، والزبون كان يأخذ كيلو أصبح يأخذ نصف كيلو وأحياناً ربع كيلو بسبب الغلاء، البامية جملتها 50 جنيهاً، نبيعها بكام؟ 

وتؤكد: رغم كل هذا أنزل السوق وأشتغل وأقول حتى لو أجيب كيلو برتقال للعيال فى البيت، أهو مكسب، وتضيف الواد الصغير كان نفسه فى البطيخ نزلت اشتغل إمبارح وجبت له وأنا مروحة البطيخة بــ 25 جنيهاً، وقولت عشان أرضيه هو وعيال أخوه.

وتواصل «أم ناصر» حديثها: سعر كيلو اللحمة الكبيرة فى القناطر وصل إلى 180 جنيهاً، أما الصغيرة فلا نستطيع شراءها، وأضافت كنت أربى فراخ بلدى فى البيت، لكن العلف ارتفعت أسعاره، وبعد ما حجزت الفراخ من عند التاجر أخذت الفلوس، وعلقت قائلة: «الناس هتلاحق على الغلاء دا منين؟.. وأضافت كنا بنأكل الطيور البلدى من فائض الأكل لكن أصبحنا نكفى العيال بالعافية ونعمل الأكل على القد وشيكارة الرز وصلت لــ 800 جنيه، هنجيب باقى طلباتنا بكام؟ وتساءلت: نعمل إيه فى الغلاء.. إحنا تعبنا من وقف الحال وقلة الشغل، ما يحدث حرام الناس تعبت والله.