رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

ما بين شهرى أبريل ومايو منذ ما يقرب من 107 أعوام، وقّعت كل من فرنسا وبريطانيا اتفاقية سايكس بيكو وهى ذكرى مؤلمة لاقتسام الدول العربية الواقعة شرقى المتوسط فى إطار تقسيم أراضى الإمبراطورية العثمانية التى توصف بـ«الرجل المريض».

التوصل إلى الاتفاقية تم على صورة تبادل وثائق بين وزارات خارجية فرنسا وإنجلترا وروسيا العنصرية، وقامت الحكومة الفرنسية بتعيين قنصلها العام السابق فى بيروت جورج بيكو مندوباً سامياً لمتابعة شئون الشرق الأدنى، ومفاوضة الحكومة البريطانية فى مستقبل البلاد العربية.

سافر «بيكو» إلى القاهرة واجتمع بالمندوب السابق البريطانى لشئون الشرق الأدنى مارك سايكس بإشراف مندوب روسيا.

قال «سايكس» إنه يريد أن يرسم خطاً يبدأ بحرف الألف ويقصد مدينة عكا، وينتهى بالحرف كاف نسبة إلى كركوك، هذا الخط الأسود يقسم الشرق الأوسط فى منتصفه على خرائط الاتفاق دون أى اعتبار للتوزيع القبلى والعشائرى والانتماءات الدينية، أسفرت هذه الاجتماعات والمراسلات عن اتفاقية عرفت باسم «اتفاقية القاهرة السرية»، ثم انتقلوا إلى مدينة بطرسبرغ الروسية، وأسفرت المفاوضات عن اتفاقية ثلاثية سميت اتفاقية «سايكس بيكو»، وذلك لتحديد مناطق نفوذ كل دولة.

وتشمل استيلاء فرنسا على غرب سوريا ولبنان وولاية أضنة، واستيلاء بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق بما فيها مدينة بغداد وميناء عكا وحيفا فى فلسطين، واستيلاء روسيا على الولايات الأرمنية فى تركيا وشمال كردستان، وحق روسيا فى الدفاع عن مصالح الأرثوذكس بالأماكن المقدسة فى فلسطين، والمنطقة المحصورة بين الأقاليم التى تحصل عليها فرنسا، وتلك التى تحصل عليها بريطانيا تكون اتحاد دول عربية أو لا عربية موحدة، ومع ذلك هذه الدولة تقسم إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، ويشمل النفوذ الفرنسى شرق بلاد الشام وولاية الموصل، بينما النفوذ البريطانى يمتد إلى شرق الأردن والجزء الشمالى من ولاية بغداد حتى الحدود الإيرانية، ويخضع الجزء الباقى من فلسطين لإدارة دولية، ويصبح ميناء إسكندرون حراً.

تم الكشف عن الاتفاق مع وصول الشيوعيين إلى سدة الحكم فى روسيا عام 1971 ما أثار غضب الشعب السورى الذى لم يمسه الاتفاق مباشرة وأحرج فرنسا وبريطانيا، وتقرر وضع المنطقة التى اقتطعت فيما بعد من جنوب سوريا «فلسطين» تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا لاحقاً، وبموجب وعد بلفور لليهود أعطيت فلسطين إلى الصهاينة لبناء دولة إسرائيل!

بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، وإطباق بريطانيا على أراضى فلسطين والعراق تخلت بريطانيا عن فكرة تقسيم أملاك السلطنة وفق مخطط سايكس بيكو، واستبدلتها بنظام الانتداب الذى أقره مؤتمر «سان ريمو» الذى عقدته مع فرنسا فى 26 أبريل 1920 بهدف تحديد مصير ولايات الشرق العربى المحتلة.

مع نهاية الحرب العالمية الأولى لم يبق من اتفاق سايكس بيكو عملياً سوى الترسيم المبدئى لحدود لبنان والعراق والأردن وفلسطين، وبقى الاستعمار الفرنسى- البريطانى حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 مهيمناً فى بلدان المشرق متسلحاً بسلطة الانتداب الممنوحة له من قبل عصبة الأمم فى مؤتمر لندن عام 1922 مع استثناءات فى اليمن والسعودية والأردن، وارتبطت مصر والعراق مع بريطانيا بمعاهدات حدت عملياً من استقلالهما إلى حين الإطاحة بالأنظمة الملكية فيهما تباعاً عام 1952 و1958.

اليوم تبدو المنطقة العربية رغم مرور 107 أعوام على سايكس بيكوموضوعة على مشرحة التقسيم المتجدد فيما يعرف بالشرق الأوسط الجديد، ومن مظاهره الصراعات الداخلية فى بعض الدول العربية التى تمزقت حولنا، وأصبحت فى حاجة ماسة وسريعة وعاجلة إلى أعمال العقل للحفاظ على ما تبقى فيها، ولن يعود الاستقرار إلا باستبدال الحوار الهادئ بالسلاح والصراعات الداخلية والكلام لك يا جارة!!