رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عام 1992 فاجأ المفكر والمنظر الأمريكى العالم بمؤلفه «نهاية العالم والإنسان الأخير»، والذى أوجز فيه فكرته عن عالم ما بعد انهيار سور برلين فى نوفمبر عام 1989 ثم انهيار ما عرف أمريكيا بإمبراطورية الشر أو - الاتحاد السوفيتى - 1991 متصورًا أن ما حدث نهاية للتاريخ الحديث، وأن العالم فى قبضة النيوليبرالية الأمريكية والغربية، وأنها دنيا القطب الواحد الذى يحكم ويأمر وعلى الدنيا أن تطيع الإله الواحد الجديد.

بعد أقل من ثلاثة عقود على ما كتب فوكاياما ها هو التاريخ يبدأ فصلا جديدا، يكاد العالم يتفق على عنوان جديد له وهو «امبراطورية الشر الأمريكية – ما بعد القمة».. الحقيقة أن تاريخ كل الامبراطوريات لا يختلف عن تاريخ أى كائن حى يمر بفترات الطفولة والصبا والشباب والشيخوخة والكهولة، ثم الموت .. أمريكا – أو امبراطورية الشر الكبرى فى العالم المعاصر امتلكت ولا تزال من أسباب القوة ما لم يتوفر لأى امبراطورية سابقة، وقد منحها الموقع حماية طبيعية بين محيطين يفصلانها عن العالم. هذه الامبراطورية التى تسيطر وتهيمن على البحار والمحيطات، وتشعل الحروب، وتقتل وتغتال وتغتصب فى أى مكان وفى كل وقت، لم تتعرض أرضها لأى عدوان خارجى، لأنها امبراطورية أخطبوطية جذعها هناك فى أرض الأحلام التى اكتشفها المغامرون بالخطأ فى منتصف القرن السادس عشر، وأذرعها تعبث  بالعالم وتخنق وتعاقب وتطارد وتقتل وتدمر.

غفل فوكاياما عن حقيقة تاريخية وفلسفية تقول بأن الحقيقة الوحيدة الثابتة فى الكون أنه يتغير باستمرار.. عواصف التغيير من حولنا اليوم تشهد على أن امبراطورية الشر الأمريكية قد أفرطت فى استخدام القوة لحماية نفسها، والافراط فى استخدام القوة هو استهلاك لمخزون القوة ذاتها، ومؤشر لبدايات النزول، وكما تقول الحكمة التاريخية «عند التمام يبدأ النقصان».

ولادة أمريكا نفسها كدولة كانت حالة اغتصاب من مغامرين لأرض ظنوا أنها خالية، وإذا بهم يفاجأون بالهنود الحمر سكانا وملاكا لهذه الأرض، وبغريزة وسطوة المغامرين الحالمين بنشوة الاغتصاب كان لابد من محو هذا النوع البشرى . المكتشفون لأمريكا لم يكونوا لصوص تاريخ وجغرافيا، ولكنهم وإن حطوا على أرض القارة الجديدة بالخطأ إلا أنهم كانوا مبعوثين بأمر من كرادلة أوروبا للبحث عن طريق جديد بالشرق يجنب تجارة الغرب المرور عبر طرق الامبراطورية الاسلامية خاصة فى مصر والشام، وكان المكتشفون الأوائل بسفنهم وعتادهم وجيوشهم يمرون على البابا لأخذ بركاته وتوجيهاته قبل الإبحار للمجهول.. إسرائيل ككيان مصطنع استلهم لعنة الاغتصاب من التجربة الأمريكية، رغم ما يبدو أنه صناعة غريبة وبريطانية على وجه التحديد.. حين فكر تيودور هرتزل (الشيطان الأول وراء فكرة اغتصاب فلسطين) فى مشروع الدولة اليهودية فى فلسطين أرسل اثنين من الحاخامات للتأكد من هذا البلد ما هو إلا «أرض بلا شعب» ويجب أن تكون حقا ل « شعب بلا أرض». وفوجيء هرتزل برسالة من مبعوثية إلى فلسطين تقول نصا «العروس جميلة ولكنها متزوجه فعلا». وكما فعل الغزاة الأوائل لأمريكا وقت الاكتشاف الأول بمحو الهنود الحمر كان جواب تيودور هرتزل «إذن هو قتل الزوج والاستيلاء على ما يملك واغتصاب العروس باحتلال الأرض».

وبعد أقل من ثلاثين عاما من نبوءة فوكاياما بنهاية التاريخ ودخول العالم كله بيت الطاعة الأمريكى النيوليبرالى، ها هى عواصف التاريخ تطيح بنوافذ غرف الموت والاغتصاب الأمريكية، وليس خافيا على قاطنى غرف القرار الامبراطورى الأمريكى، أن النشوة لم تدم طويلا وأن زلازل التاريخ آخذة فى ضرب الأرض وهزها من تحت أقدام الخيول والخيالة والخيالات .. الحرب الروسية الأوكرانية بداية حرب كبرى بلا منتصر لأن مفاتيح الدمار بيد كل المتحاربين.. عواصف اليسار فى امريكا اللاتينية – الحديقة الخلفية للامبراطورية الأمريكية – تجلس بمقاعد السلطة فى الأرجنتين وبوليفيا وتشيلى والمكسيك وبيرو، وكولومبيا والبرازيل..  أوروبيا تصعد جورجيا ميلونى «زعيمة حزب إخوة إيطالية» باليمين المتطرف للحكم فى ايطاليا - فى ألمانيا تم إفشال محاولة انقلاب على السلطة من قبل النازيين الجدد -  وفى إسرائيل يقفز الائتلاف الصهيونى الدينى المتطرف لسدة الحكم، وهى أيضا لحظة ذروة فى الافراط باستخدام القوة، تنذر ببداية نهايات قد تأتى أسرع مما نتوقع. أمريكا تهرب من أفغانستان – إيران تقترب من المفتاح النووى – كوريا الشمالية ورم نووى فى آسيا عند تخوم مواقع الغرور الأمريكى – الصين شهبندر تجار العالم تنتقل اليوم من حالة العزلة خلف سورها العظيم إلى ساحات المواجهة .. إنها إذن يا سيد فوكاياما لم تكن نهاية التاريخ، ولكنها كانت بداية جديدة لعالم أصبح أكبر من أن يحكمه إله أرضى واحد..