رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نور

سأحكي لكم عن أول موقف تعلمت منه معنى الانتماء للوفد، بعد انضمامي لحزب الوفد بعام واحد، تعلمت مرادف الولاء الكامل للفكرة، وأدركت لأول مرة معنى الغيرة على الكيان، فكان الدرس الذى تلقيته فى عام 1989 على يد وفدى قديم اسمه «عم ظريف» كان قد تجاوز حينها الثمانين من عمره، عاصر مصطفى النحاس فى عنفوانه وقوته وسيطرته على قلوب المصريين، فكان النحاس عند عم ظريف هو الزعيم، ولا زعيم غيره… عم ظريف بطل حكايتنا -رحمة الله عليه- هو وفدى من محافظة القاهرة، وكان الوفديون العائدون للحياة السياسية عام 1984 يعرفونه عز المعرفة، فقد كان شابًا وفديًا مناضلًا فى الثلاثينيات والأربعينيات، وظل وفديًا مناضلًا حتى تم حل الأحزاب فى مطلع الخمسينيات، وبقى وفديًا مخلصًا خلال الستينيات والسبعينيات وعاد للوفد عضوًا لا تلين له عزيمة في 1984 وظل يتحدث مع الشباب الصغير المنضم حديثًا للوفد مثلنا، عن مصطفى النحاس وزعامته، وكنا نُطلق لقب «عاشق النحاس» على عم ظريف، مثلما أُطلق على إبراهيم باشا فرج لقب «ابن النحاس»!! 

> ولكن ما الدرس الذي حصلت عليه من عم ظريف؟.. كان الدرس يوم 23 أغسطس 1989، وكان حزب الوفد يحتفل في مقره القديم بالمنيرة في حي السيدة زينب بذكرى الزعيمين سعد زغلول ومصطفى النحاس، ويبدو أن الاحتفال لم يكن بالشكل اللائق بالذكرى، ولا يتناسب مع حجم الوفد، في وقت كان زخم العودة ما زال قائمًا، وتوافد الجماهير على مقر الوفد لا ينقطع يوميًا بأعداد كبيرة، ورغم أننا كنا ننتظر بداية الاحتفال بالذكرى، فوجئت بعم ظريف يترك المقر غاضبًا، ويتجه إلى الشارع، وذهبت إليه مسرعًا مع عدد من شباب الوفد، لنستفسر منه عن سبب غضبه، ولحقنا به عند آخر سور المقر، بالقرب من المركز الثقافي الفرنسي، فقال لنا «أنا زعلان.. مش هأقدر أقعد تانى.. معقول ده الاحتفال بذكرى سعد والنحاس.. النحاس اللى كان بينتظره الملايين فى كل مكان يروح فيه.. يحتفل بذكراه عشرة أشخاص.. لأ.. لأ.. مش هأقدر أستنى» وبكى الرجل بكاءً مريرًا.. وحاول تغطية وجهه بحقيبة قماشية كان يحملها باستمرار.. حتى لا يرى الشباب الصغير دموعه.. ولكن الحقيبة لم تنجح فى التغطية.. فرأينا الدموع.. وشعرنا بالوجع فكان الدرس الذى لا يُنسى عن معنى الغيرة التى لا تضر حبًا فى كيان كبير اسمه الوفد.. ولاحظ أن عم ظريف كتم الغضب فى نفسه.. ولكنه عبر عن رأيه دون تجاوز.. وبالمناسبة عم ظريف لم يعش بعدها كثيرًا ولكنه توفى بعد هذه الواقعة بعدة أشهر.. وكانت وصيته لأولاده بأن يتم تسليم الحزب محتويات مكتبته الضخمة الخاصة التى تحتوى على مئات الكتب، والصحف النادرة، والتى تتضمن وقائع مهمة عن تاريخ الوفد، وقد تسلم الحزب بالفعل هذه المكتبة، وقرأنا كتبًا نادرة وعرفنا تفاصيل تم نشرها عن الوفد فى الصحف خلال الفترة من 1919 وحتى 1952، بفضل هذه الوصية، وقد كانت هذه الكتب والصحف ممهورة بختم يحمل اسم عم ظريف رحمة الله عليه!! 

> لم يكن عم ظريف -المخلص فى صمت- وحده حاملًا لهذه الصفات فى حزب الوفد، ولكن كان يوجد مثله الكثيرون.. أتذكر أننى كنت أتلقى دعوة مستمرة لحضور جلسة تثقيفية أسبوعية من لجنة الوفد بالسيدة زينب.. وكنت أتلقى الدعوة من صديقنا الوفدى الأصيل عبدالله الجابرى.. وقد استجبت فى النهاية لحضور الجلسة التى لم أنقطع عنها بعدها لسنوات، خاصة أن تنظيمها كان يتم داخل المقر الرئيسى الموجود بحى السيدة.. وفى المرة الأولى التى ذهبت فيها للجلسة.. رأيت رجلًا مخلصًا آخر يشبه عم ظريف فى وفديته.. هو «عم عربى» رئيس لجنة الوفد بالسيدة الذى كان يجمع أعضاء اللجنة مرة كل أسبوع على الأقل لمناقشة كتاب، والغريب أن الجلسة كانت تتضمن طقسًا مستمرًا.. فقد كان عم عربى يقوم بتلخيص الكتاب قبل حضوره للجلسة.. وكان يقرأ الملخص الكامل للكتاب على أعضاء اللجنة لمدة نصف ساعة تقريبًا ثم يبدأ النقاش.. فى حلقة تثقيفية بديعة.. تتم بانتظام وبسهولة ويسر.. وقد نتج عن هذه الفكرة البسيطة تخريج عدد كبير من الوفديين المثقفين فى السيدة زينب، وكان كاتب هذه السطور من بين الذين تعلموا كيفية تلخيص الكتب والاستفادة من معلوماتها على يد عم عربى، الذى كان وفديًا مخلصًا ومواطنًا بسيطًا.. لم يكن يتكلم كثيرًا ولكنه كان فاعلًا كبيرًا ومضيفًا مجتهدًا لرصيد الحزب البشرى، فكانت نوعية الوفديين الذين شاركوه فى العمل بالسيدة زينب معظمهم من الفاهمين المثقفين!! 

> يوجد بيننا عشرات ومئات النماذج التى تُشبه عم عربى وعم ظريف.. والوفد يحتاج جهودهم لتعليم الشباب كيفية الانتماء لكيان لن يبقى لمائة عام أخرى إلا بالإخلاص.. الإخلاص فقط وليس شيئًا غيره!!