رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

ازدهر فى العلوم الاجتماعية فى العقود الخمسة الأخيرة ما يمكن وصفه بـ «إطار تفسيري» لبعض الظواهر الإنسانية المرتبطة بالحكم، جرى الاصطلاح عليه بـ«المعرفة والسلطة»، وكان أول من دشن الفكرة الفيلسوف الفرنسى الراحل ميشيل فوكو فى كتابه الذى حمل هذا العنوان، وقد توسع استخدام هذا الإطار فى فضاءات مختلفة منها فضاؤنا العربى حيث استخدمه ادوارد سعيد فى كتابه «تغطية الإسلام» للإشارة الى الارتباط الكبير بين المعرفة وخدمة السلطة فى الولايات المتحدة، من خلال تحليل دور الإعلام الأمريكى فى تغطيته للقضايا الإسلامية فى التخديم على الأهداف الامريكية فى التعامل مع العالم الإسلامى. ووسع المفكر المغربى عبدالمجيد الصغير من تطبيق هذا الإطار من خلال كتابه «المعرفة والسلطة فى التجربة الإسلامية».  وربما مما يكشف عن تغلغل هذا النموذج فى التناول بعيدا عن المسمى ما قدمه الكاتب اللبنانى السفير خالد زيادة فى كتابه «كاتب السلطان حرفة الفقهاء والمثقفين» فى محاولة للإشارة الى اعتماد أنظمة الحكم فى تجربتنا الإسلامية على دور الفقهاء والمثقفين فى التعاطى مع الكثير من قضايا الحكم، ربما باعتبارهم أعين الحكام التى يرون بها أو التى يتوصلون بها الى القرارات التى يتخذونها فى سياق تجربة الحكم، وإن كان زيادة استهدف الاشارة الى استخدام هؤلاء -الفقهاء والمثقفين- كمبررين للسياسات وليس مصدرا للمعرفة.

كل هذا شىء والمقصود فى السطور التالية شىء ثانٍ خالص مختلف تماما، وإن كان متعلق به بالطبع، لأن الادعاء بغير ذلك يمثل بالتأكيد تشويها للفكرة الأصلية المتعلقة بالإطار التفسيرى الذى تحدثنا عنه فى صدر المقال، وربما أيضا باعتبار أن المقام هنا ليس مجالا لتناول مثل هذه الأمور المعقدة التى قد لا تناسب جريدة سيارة، وإن كان هناك فى بعض الأحيان بد مما  ليس منه بد. ما أود الإشارة اليه هنا هو البحث فى حدود دور المعرفة فى اتخاذ القرار. على هذه الخلفية هناك تصور سائد لدى البعض بأن المعرفة هى القرار، وهذا تصور سليم فى الشق الأكبر منه، لأنه فى غياب المعلومة سيعجز صاحب القرار عن اتخاذ ما يلزم لمواجهة الموقف الذى يواجهه، أيا كان التصور عن صاحب القرار ذاك.. فقد يكون رب أسرة أو سائق طائرة أو حتى مدير مستشفى..  أى شخص مسئول فى موقعه، لكن النقطة المهمة والتى ربما تكون غائبة هنا هى أن المعرفة ليست شرطا لأن يكون القرار سليما، فقد تتوافر كل أنواع المعرفة ويكون القرار خاطئا. خذ مثلا على مستوى أكبر قوتين عظميين على صعيد النظام الدولى.. تجربة انقاذ الرهائن الامريكيين فى طهران على يد الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر والتى انتهت بكارثة. خذ أيضا تجربة الحرب الأوكرانية، والتى يرى البعض أن بوتين وهو من هو كزعيم استخباراتى كبير، غاص فى مستنقعها. صحيح أن الحرب لم تنته ومن الصعب الحسم بمن الفائز ومن الخاسر، لكن هناك تصورات بأن تكلفتها بالنسبة لروسيا أكبر من قرار خوضها رغم كل جوانب المعرفة لدى روسيا- بوتين بكل ما يساعد على اتخاذ القرار أو التوقف عن اتخاذه.

على مستواى الشخصى، كنت فى مرحلة من المراحل من المتيمين بالكاتب الراحل حسنين هيكل الى حد صحة أن تصنفنى بأننى كنت من دراويشه، وكان كل كلمة يقولها يكون لها مكانها فى قلبى قبل عقلى، وكنت أرى أن ذلك ينبع من أنه حريص على الحصول على المعرفة من مصادرها، حيث كان ينفق بسخاء للوصول الى تلك المصادر، لكن أحيانا كنت أسمع مقولة من رجل شارع.. مواطن فى حافلة نقل عام أو بائع فى محل بقالة -ربما أكون واهما- أرى أنها تنحى رؤى هيكل وتجعلها على جنب.  لو أردت أن أقسم لك لأقسمت إنه ليس فى الأمر مبالغة.. ولكن القصد أن المعرفة ليست شرطا هى السلطة، وأنه ليس شرطا كذلك أن امتلاك المعرفة يؤدى بك الى القرار السليم.. والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.

[email protected]