رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

الحياة رغم قصر عمرها مليئة بالأحداث الدرامية التى لا يمكن أن يتوقعها المرء أو حتى تمر بخاطره، وفجأة يجد الإنسان نفسه فى قلب الحدث، ولا يملك وقتها إلا التعامل مع الموقف، أو الانزواء، والانكفاء على الذات حتى تنتهى تبعاته دون أن يحرك ساكنا.

شاءت إرادة المولى عز وجل - ولا راد لقضائه- أن يتم حجزى فى أحد المستشفيات ليس لإجراء جراحة ولكن للتحضير لها، وكان هذا السبب وحده كفيلا بمحاصرتى بوابل من الأسئلة من نوعية هل أجريت جراحة؟ وتأتى الإجابة بالنفى، هل ستجرى جراحة؟ ليس الآن، أنت محجوز فقط للتحضير للجراحة؟ نعم، كل هذه المدة؟ نعم، ومتى ستخرج؟ الله أعلم، كانت هذه الأسئلة متكررة من ثلاث دفعات جاءت للحجز وأجرت الجراحة وخرجت فى اليوم التالى، والحقيقة أننى مللت من الإجابة عن الأسئلة التى تزيد حيرتى وشفقة الآخرين علىّ من هذا الوضع الذى يعتبرونه شاذا، كما أن هذه الأسئلة يرجع صداها إلى نفسى، وتطيل علىّ أيام الحجز.

عنبر الحجز حياة أخرى مختلفة تماما عن الحياة خارجه، فبمجرد دخولك تتحول إلى شخص آخر منعزل عن البشر، تنتظر جرعات العلاج وتعليمات الأطباء ونصائح الممرضين، وتسعى جاهدا لتنفيذها حتى وإن كانت لا تتسق مع عقلك، وعندما تسأل عن شىء يخص حالتك يرمقك أحدهم بنظرة تفهم منها أنك مريض وعليك الانصياع والاستسلام حتى تنتهى فترة بقائك معهم بلا مشاكل، فتؤثر السلامة وتلوذ بالصمت الرهيب.

ولأن الفراغ قاتل،- وهو ما نعيشه داخل الحجز-، كان لزاما علىّ أن أبحث عن شيء أفعله، فلجأت إلى كتاب الله أحاول أن أقرأ فيه ما تيسر، ولكن هيهيات، فأنات المرضى من حولك تصم الآذان، وأصوات العاملين فى الخارج تخترق الجدران، وطاقم التمريض الذى يقتحم العنبر فى أوقات متقاربة لتقديم الرعاية لمن يستعد للجراحة أو لمن أجراها بالفعل، وربما نلتمس لهم العذر فى ذلك، وأفواج الزائرين الذين جاءوا للاطمئنان على ذويهم، فضاعت الخصوصية تماما، وقررت الانصهار فى هذه الحالة رغم رفضى لها، ووجدتها فرصة سانحة للتأمل فى وجوه المرضى، ورصد أحوالهم، ففوجئت بقصص تصلح لمجموعة لا بأس بها من الأفلام الهادفة، لأنها تعبر بصدق  عن حكايات البشر «الأصليين»، تسطع فيها الحقيقة، ويختفى الزيف والنفاق، يعبر فيها أصحابها بعفوية نادرة، وسجية ربانية عما يجيش فى صدروهم، يحدثونك كأنك واحد منهم ولذلك لا يتحرجون من ذكر تفاصيل حياتهم البسيطة، يسردون الأحداث فى تناسق عجيب، ولا مانع من بعض المؤثرات الصوتية، والضغط على مخارج بعض الحروف لإظهار شدة الموقف، أو تحديق النظر إليك للفوز بأكبر قدر من الاهتمام، أو استخدام بعض الفواصل من نوعية «حضرتك فاهمنى» أو«صليت بينا على النبى» حتى لا يعطيك فرصة للإنصراف عنه إذا ضاع منه خيط الكلام.

والمؤكد أنهم لا يفعلون ذلك إلا فى الغرف المغلقة ولمن يأمنون بوائقه، فإذا اطمأنت قلوبهم فتحت، فأخرجت كل ما فيها فاستراحت، وربما لا يطلبون شيئا بعد ذلك، فالبوح عندهم منحة إلهية تضمد الجراح وتهديء النفوس وتعيد الحياة إلى سابق عهدها.

حكايات البسطاء مجموعة من المآسى والعقبات، ورغم ذلك يروونها كأنها تخص أحدا غيرهم، أو أنها طيف عابر لا يؤثر فى مسيرة حياتهم، أو أنها انتهت وأصبحت جزءا من الماضى، ويمضون فى السرد حتى إذا وصلوا للنهاية تنفسوا بعمق وشكروا الله عز وجل، وقالوا بمنتهى الرضا «إحنا أحسن من غيرنا» .

 عندها تشعر بتتضاؤل جميع مشاكلك وقضاياك التى طالما أيقنت أنها هائلة، وعشت بها زمنا قانطا ساخطا لا ترضى بقضاء ربك، وتنظر إلى غيرك، ولا تعترف بنعمه التى لا تحصى ولا تعد، ولا تؤمن إيمانا راسخا بأن اختيار المولى لك هو كل الخير، وأنك لو اطلعت على الغيب لاخترت الواقع بكل تأكيد.

[email protected]