رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

( نحو المستقبل )

الكل منشغل هذه الأيام بالتغيرات المناخية التى أصبح أثرها واضحا للعيان فى الآونة الأخيرة، فالفيضانات والجفاف يضربان العالم عكس التوقعات والتقليد الذى كان سائدا فى السنوات بل فى القرون الماضية ، فالدول الباردة أصبحت حارة وجفت أنهارها ، والدول التى كانت حارة غمرتها الفيضانات وأغرقتها!! وذلك كله من تجبر الانسان على الطبيعة بتكنولوجياته وعلومه  الحديثة ، وقد لخص القرآن الكريم هذه القضية  فى آية واحدة «ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون «(سورة الروم – 41)!!. بينما أنا منشغل بالتغيرات الأخلاقية وانهيار سلم القيم الانسانية التقليدية التى كانت ضمن الأسباب الرئيسة لهذا الذى يحدث فى  الطبيعة بفعل الإنسان ؛ فبدلاً من أن ينعم الانسان بخيرات الطبيعة ويسعى لتنميتها بطرق طبيعية ومأمونة قادته شراسته وأطماعه إلى استنفاذها عبر وسائل تكنولوجية مضرة وخبيثة ، وبدلا من أن تسود قيم العدالة والمساواة والتعاون بين البشر، سادت قيم الاستبداد والصراع بين الأمم المتقدمة لاستنزاف ثروات الآخرين واستعبادهم والتحكم فيهم عبر هيمنة ثقافة كنز الثروات واحتكار التقدم العلمى وتوجيهه إلى ابتداع كل وسائل التدمير والفتك بالآخرين ايذانا بحروب عالمية لن يكون اخرها مايسمى بالحرب الروسية الأوكرانية التى تحولت إلى حرب عالمية بين روسيا وحلف شمال الأطلنطى على الأرض الأوكرانية ولاعزاء للشعب الأوكرانى البطل وقود هذه الحرب وضحيتها فى النهاية !!

أين نحن فى ظل هيمنة حضارة الصراع والأنانية والمادية اللذية المفرطة هذه من أولى حضارات العالم ، حضارة مصر القديمة ، تلك الحضارة التى بنيت على قيمة أخلاقية كبرى واحدة هى العدالة ( الماعت)؛ فمنذ أسطورة ايزيس وأوزوريس تنامى شعور الاشمئزاز من الحروب حيث كان المصرى القديم ينظر إلى ايزيس كأمير للسلام ، فهو لايحارب الشعوب الأجنبية إلا عن طريق الاقناع، وحين يطالب ابنه حورس بدمه فإن الأمر لايسير إلا من خلال العدالة، ومملكة هذا الإله أوزوريس (المبرأ من كل عيب) لايدخلها إلا المطهرون ، وعلى كل داخل أن يثبت أمام قضاة العالم الآخر أنه لم يرتكب اثما قط، وكانت فى مقدمة الآثام فى تلك الأيام ماهو محرم فى كل مجتمع انسانى كالقتل والتحريض عليه والسرقة والغش والتزوير والفسق والزنا والكذب والنميمة ..الخ. أين نحن من حضارة يوصى فيها الأب وكان كبيرا للوزراء فى عصره فيقول له:» إذا كنت قائدا يصدر الأوامر للجمع الغفير فاسع وراء كل كمال حتى لايكون نقص فى طبيعتك ، إن الصدق جميل وقيمته خالدة وأنه لم يتزحزح منذ يوم خالقه والذى يتخطى نواميسه يعاقب.. إن الخطأ لم يقد مقترفه إلى الشاطئ ، حقيقة إن الشر يكسب الثروة ولكن قوة الصدق فى أنه يمكث والرجل المستقيم يقول إنه متاع والدى ..»

انظروا معى إلى تلك الحضارة العظيمة التى بنت تقدمها الحضارى الرهيب – الذى لا يزال يتحدى كل تكنولوجياتنا المعاصرة - على هذه القيم الأخلاقية الراقية ، انظروا إلى خاتمة النص السابق حيث أن الابن سيفتخر بأن والده كبير الوزراء قد أورثه فضيلة الصدق وليس الثروة والمال !!

أين الحضارة الانسانية المعاصرة  من ذلك ؟! وقد قلبت الحق باطلا ، والباطل حقا ، أين ذهبت قيم العدالة والصدق، أين ذهبت قيم الاخاء  والمساواة والتعاون ، أين السلام والأمان فى عالم لايهنأ فيه الناس بيوم آمن خال من الحروب والصراعات والقتل والتشريد، أين الرقى الحضارى الذى تدعيه الدول الغربية وقد سخرت كل امكانياتها للاستعداد للحروب والصراعات، وليس للحوارمن أجل السلام والتخلص من أسلحة الدمار الشامل التى يزيدون من قدراتها التدميرية كل يوم، ومن أجل العودة إلى احترام الطبيعة والتخلص من كل التكنولوجيات المدمرة لبيئة الحياة على الأرض ؟!!

لعلنى فيما سبق أكون قد أجبت على من يتعجبون من  حبى واعتزازى بمصر القديمة  حينما دعوت فى مقال سابق إلى تعلم وتعليم اللغه المصرية القديمة متسائلين:هل نعلمهم هذه اللغة لمجرد الارشاد السياحى ؟! والحقيقة أننى كنت فقط أضرب مثالا على أهمية تعلم لغتنا القديمة!! ومايترتب على ذلك من معرفة بتاريخنا الحضارى ودور مصر فى صنع الحضارة الانسانية ككل باعتبارها صانعة أولى الحضارات البشرية  بشكل معجز وغير مسبوق فى كل مجالات الحياة ، وأن نعرف بالتالى مدى تأثيرها على الارث الحضارى العالمى بعد ذلك ، لكن الأهم من كل ذلك من وجهة نظرى أن يعرف المصرى المعاصر أن مصر القديمة كانت منبع الدين والأخلاق القويمة ومنها يمكن أن نتعلم ماغاب عن عالمنا المعاصر المغرق فى المادية الفجة واللذية المفرطة !! ولعلنا نستطيع المساهمة من خلال ارثنا الحضارى العظيم هذا إقناع صناع الحروب والداعين دومًا إلى الصراع أن صناعة السلام أهم ، وأن القيم الأخلاقية القويمة هى أساس التحضر الانسانى لو يعلمون !!!

 

[email protected]