عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

عشت فى دبى فى فترة تحولها من مرحلة ما «بعد البداوة» إلى الحداثة. كان عنوان تلك الحداثة بالنسبة لى شارع الشيخ زايد الذى يقع فى أطرافها. كنت اعاين مراحل التحول بشكل شبه يومى وكأنى عامل أو مدير مصنع هذه الحداثة بحكم مرورى المنتظم بالشارع للوصول إلى عملى بجريدة البيان التى تقع فى اقصى دبى بمعايير تلك الفترة. كانت النقلة الكبرى -وانا هنا اكتب من الذاكرة واتقبل اى تصحيح- عندما قرر الشيخ محمد بن راشد ضم قوات دبى إلى القوات المسلحة الإماراتية. بعدها كان تحويل المعسكر الرئيسى فى شارع الشيخ زايد إلى تلك الصفات التى تحب دبى والقائمون عليها توصيف خطواتهم بها وهو «أرقى كيلو متر مربع على وجه الأرض». بعدها بسنوات كان إنشاء برج دبى الذى تحول إلى برج خليفة ويعد معلما من معالم «الدنيا.. الحديثة» ثم إنشاء المترو الذى تذكرنى أعمدة المونوريل فى مصر واختراقه صحراوات اكتوبر والعاصمة الإدارية بذات المشاهد التى تابعتها فى دبى.

المهم وصل الامر.. خوض غمار الحداثة والتحديث.. إلى الذروة نهايات العقد الأول من الألفية الثانية حتى اننى اصبحت أتيه كعربى بما تفعله دبى.. حينما ذهبت إلى ماليزيا فى ٢٠٠٣ تقريبا ضمن وفد اعلامى من دبى فى ٢٠٠٣ كنت افخر بأننى قادم من دبى نسبة إلى المهمة وليس الجنسية -فأنا مصرى وابويا مصرى- حيث لم يكن البعض يستوعب أو «يلتقط» كلمة الإمارات والتى كانت تبدو غريبة على مسامعهم.

فى عام ٢٠٠٨ فوجئت دبى كما فوجئ العالم كله بالازمة المالية العالمية وإن كان وقعها على دبى كان اشد واكثر وطأة. أذكر أننى فى تلك الفترة وكان مكتبى أقرب ما يكون من حيث الإطلالة على شارع الشيخ زايد كنت أتابع حالة التحول تلك وكنت من بعيد أرى عملية بناء برج فى الجهة الاخرى من الشارع، فى لحظات سرحانى كنت اشعر باننى كمن يقوم على مهمة عد الادوار المنتهية.. فقد تم الانتهاء اليوم من الدور الاول وبعدها بأسبوع أو اكثر الثانى وبعدها الثالث وهكذا.

حينما وقعت الواقعة والتى هزت دبى كما لم تهتز من قبل، كان البرج قد وصل دوره العاشر تقريبا. لاحظت أن البناء قد توقف.. لم يرد على بالى ان ذلك بسبب الازمة المالية، وأنها ضربت فى العمق إلى هذا الحد. منيت نفسى بأن يتواصل البناء -رغم ان لا ناقة لى ولا جمل- ولكن الحال ظل على ما هو عليه.. برج بدأ بناؤه وتوقف لظروف خارجة عن الإرادة.

حينما بدات بوادر الازمة فى الانفكاك مع دخول ٢٠١٠، وكنت أعد للرحيل من دبى فى عودة نهائية إلى وطنى، لحظت أن ماكينة العمل تواصلت وبهمة.. وبدأت الأدوار «تتطاول فى البنيان». واذا كان المثل يقول: «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها عمل بها».. فقد كان الدرس الذى خرجت به من هذه التجربة أو المتابعة أن البشرية -أفرادا وشعوبا وقبائل وأمما ودولا- إنما تقوم على التكيف مع المتغيرات التى تواجهها وانه فى وقت الازمات ينبغى التخلى عن الطموحات وتقزيمها للخروج من عنق الزجاجة بعدها يمكن السماح للمارد أن ينطلق من قمقمه.. لا ضرر فى ذلك، أما الإصرار على مواصلة ما تفرض الظروف التخلى عنه فربما يكون ذلك الانتحار بعينه!

[email protected]