رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

 

 

لم يسع طيلة حياته إلى التقرب من السلطة السياسية، وحافظ على تقاليد مستقلة أخذها عن بيئة تربوية وثقافية تتمثل فى انتمائه إلى الريف المصرى، وأوجاع الفلاحين والفقراء الذين هم مادة أعماله الروائية والقصصية منذ منتصف ستينيات القرن الماضى، تلك الفترة الذهبية التى تألق خلالها فن القصة القصيرة، وكان واحداً من أعلام هذا الفن، وبقى منذ أن نشر مجموعته «الكبار والصغار» فى عام 1965 وحتى وفاته، يحظى باحترام مختلف التيارات الفنية القصصية.

لم يتاجر الروائى محمد البساطى - الذى تحل ذكراه العاشرة اليوم - بأيديولوجية أو بفكر سياسى معين، وإنما كان كاتباً للإنسان المسحوق والمعجون بالفقر والخوف، ولذلك اعتبر رحيله خسارة كبيرة لقرائه البسطاء أكثر من المثقفين.

كثيرون كتبوا عن القرية، لكن أقلاماً معدودة هى التى أحسّت بأوجاع أهلها المنسيين، كما صنع «البساطى»، إذ عاش بارّا بالمهمشين طوال مسيرته الأدبية، فخطّ لهم تاريخاً من لحم ودم، وسرد بصدق أيامهم الصعبة، كأنه يتحدث عن ناسه وأهله، يقلب فى أوراق عائلته هو، ويعكس المعاناة والأحلام المتواضعة لشخصيات بعيدة عن الأضواء والاهتمامات الرسمية.

حفلت عوالمه بفلاحين من قلب الريف المصرى، وصيادين غلابة، أصحاب عشش بوص ومراكب متواضعة، ينتظرون رزقهم مما يجود به البحر، لا من هِبات حكومات، ولا من منح رؤساء, وألحّ على تتبع حكايات المهمشين، صنع لهم دنيا خاصة تختلط فيها الحقيقة بالخيال، الممكن بالأسطورة.

دخل «البساطى» إلى أعماق أبطاله، تعاطف معهم، وروى أحلامهم، لكنه فى الوقت ذاته لم يحطهم بهالات، ولم يضفِ عليهم تقديساً ما، فبلا رتوش تجميلية، تبرز فى قصصه نقاط الضعف البشرية، وتحضر خفايا النفوس وأسرارها مضفرة بعذابات المعاناة اليومية، ورحلة البحث عن احتفاء ولو مؤقتاً بالحياة.

صاحب بصمة شديدة الخصوصية فى الكتابة، سارد بمذاق مختلف، رواياته وقصصه القصيرة خالصة من الشوائب، ومصفاة من الثرثرات البلاغية والترهلات المصطنعة، خاصم المطولات، فغالبية رواياته بدأت فى الأصل مشروعات قصة قصيرة، غير أنها تشعبت، وفرضت على الكاتب مسارات أخرى.

اختار خندق المعارضة فلن يقترب من أى مؤسسة رسمية وبعد خروجه من الجهاز المركزى للمحاسبات لم يطلب منحاً ولا جائزة ولا وظيفة, ولم يكن محسوباً على أى نظام حتى إن جائزة الدولة التقديرية - بعد أن رشحته إحدى الجامعات- جاءته وهو فى شبه غيبوبة.

حظى بتقدير نقدى أدبى سواء فى مصر أو خارجها، الأمر الذى أهله للحصول على جائزة سلطان العويس الثقافية عام 2010 مناصفة مع القاص السورى زكريا تامر، وجاء فى قرار لجنة التحكيم «تتسم أعمال البساطى بالاقتضاب البليغ الدال سرداً وأسلوباً ومعنى، وتتوق إلى استحداث أفق شعرى رائق».

شعرنة القصة القصيرة ظاهرة أشار إليها أكثر من متابع لأدب «البساطى» الذى يكتب بلغة مأخوذة من نبض الناس الذين يصنعون الحياة بأحلامهم البسيطة، وتبدو القرية المصرية بكل براءتها وطزاجتها الاجتماعية والثقافية فضاء حيوياً لكتابته.

كان «البساطى» يمشى على بساط مصنوع من مغزل يديه بكل استقلالية واعتماد على ذات تحمل من الكبرياء وعزة النفس ما جعله منطقة أدبية نائية عن مظاهر التزلف والتملق، ففى حين كان بعض الكتّاب يغازلون السلطة وعيونهم على منصب أو مكافأة أو جائزة، كان يهرب من هذا المناخ الانتهازى إلى ذاته الإنسانية والأدبية المستقلة, ورفض أى محاولة لعلاجه على نفقة الدولة وأى تدخل من أى جهة رسمية لتحمل نفقات علاجه من مرض سرطان الكبد وأصر أن يظل بعيداً عن الصخب.

يرحل «البساطى» كما يرحل العظام ويغيبون فتغيب «ألفة الوطن» كما قال الراحل أمل دنقل, ولكن تبقى أعماله وسيرته العطرة شاهد عيان على مبدع من طراز خاص احترم نفسه وفنه, وابتعد عن مواطن الشبهات فاحترمه الجميع.

[email protected]