رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

عن سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية كان قد صدر منذ سنوات كتاب تحت عنوان «حياتنا وإن طالت»، وهو كتاب رائع لمن يريد أن يطلع على مصير حياة الإنسان كفرد على الأرض، وتفسير حتمية انتهائها. أقتبس هذا العنوان وأنقل مضمونه من المستوى الكلى إلى الجزئى للتطبيق على حياتى أنا كصحفى فى الوفد. عندما أتممت إجراءات تعيينى بالجريدة استوقفنى ذلك التاريخ.. التاسع عشر من يوليو 2022.. الوقت الذى يحل فيه تاريخ إحالتى إلى المعاش. وقتها تنهدت بينى وبين نفسى بأقصى ما فى من قدرة ورحت أقول: يااااه.. إذا أحيانا الله. الخاطر الذى مر على ذهنى أنه ما أطول تلك الفترة، حيث يتبقى نحو ثلاثة عقود أو أكثر على حلول هذا التاريخ، وهى فترة تقوم فيها أمم وتختفى خلالها حضارات!!

لم أتصور أن تنقضى تلك السنوات سراعا، وهأنذا أعيش العد التنازلى لحلول ذلك التاريخ الذى يتم فيه إحالتى إلى التقاعد، وبه تنتهى «حياتي» فى الوفد. أحاول تعزية نفسى بتذكيرها بأننى لست أول أو آخر شخص يعيش هذه التجربة، غير أن هاتفًا من داخلى يرد غيبة تفكيرى، مؤكدًا أنه ربما وراء ذلك الحنين أننى على مدار تلك الحياة لم أشعر بالانتماء الحقيقى سوى إلى مؤسستين، هما مؤسسة الأسرة، حيث زوجتى وأولادى، ومؤسسة الوفد، حيث أعمل. رغم ظروف ومنغصات عديدة إلا أننى شعرت بأن الوفد كفتنى وأشبعتنى وأغنتنى عن أى تفكير بديل. ربما يكون ذلك من منظور البعض حماقة، ربما يكون قلة طموح، وربما يكون رضا بالقليل. سافرت طويلًا وعملت مع صحف أخرى، ولكن ارتباطى بالوفد ظل على حميميته، فهو لم يكن بالنسبة لى مجرد مكان وإنما حياة وروح.. أشخاص أحببتهم بكل جوارحي، وارتبطت معهم فى أفراحهم وأتراحهم، والعكس، ذكرياتى معهم هى مخزون عقلى الذى أطمع أن أكمل به باقى حياتي.

أحيانًا أسأل نفسى: هل أتى عليّ اليوم الذى لا يجب أن أعد فيه نفسى للخروج من البيت، قائلًا لزوجتى أنا «رايح» الوفد؟ معقول انتهت اللحظات التى أمر فيها فى جنبات الجريدة متوجهًا إلى قسم التنفيذ لتحية الزملاء الذين يبكرون دومًا فى الحضور والاستغراق فى مناقشات حول قضايا الحياة المختلفة؟ ألن أنادى على الزملاء بقسم الاستماع، متسائلًا أين المقالات لترتيب نشرها مع رئيس التحرير؟ هل.. هل؟

عندما تطول حالة سرحانى مع تلك الخواطر، ألوم نفسى قائلًا: ولم كل هذا النحيب وأنت تملك من الأفكار والمشروعات الصحفية وغير الصحفية التى لو أشركت فيها عشرات الصحفيين وغير الصحفيين لوسعتهم وكفتهم؟ ألست من المؤمنين بأن الحياة الحقيقية تبدأ بعد الستين، بعد التحرر من أعباء الوظيفة؟ وهل نسيت أنك فى مرحلة من مراحل العمر كنت تتمنى التقاعد للتفرغ لمشروعات مختلفة من الكتابة التى تصورتها تسمو على العمل الصحفي؟

أعود لأشعر بالحنين، وتنتابنى تلك الرجفة التى تقلقنى حين أقوم بإجراء بسيط لعملية تحليل دم بفعل خوفى من شكة الإبرة، وأتساءل: إذا كنت كذلك، فكيف سأشعر وأنا أمر بتلك التجربة التى تكاد أن تكون بمثابة اقتطاع «حتة» من جسدي؟ هل تمر بسهولة، ودون آلام مبرحة؟ قد يصاحبها أنين إن لم يكن صراخًا داخليًا أو حتى خارجيًا بغض النظر عن منظرى أمام من حولي!

أحاول الطبطبة على نفسي، وأدعوها للخجل من تلك المشاعر، ولكن يأتينى صوت بأن عزائى أننى صحفى وكاتب وأن مهمة الكاتب، أى كاتب، أن ينقل خلجات نفسه دون تزيين وكما يشعر بها إلى قارئه، وأن نجاحه يقاس بتحقيق تلك المهمة. تهدهدنى تلك الأحاسيس.. فكرة أننى كاتب وأن الكاتب لا يحال إلى التقاعد، حتى لو اضطر للكتابة على روحه وعن روحه! دعواتكم بالتوفيق.

[email protected]