رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

 

استطاع محمد على – وهو فى العقد الثالث من حياته - أن يؤجج ثورة على الدولة العثمانية، وأن يستقل بمصر رغم المؤامرات والمكائد العثمانية والأوربية، وتمكن أن يقر النظام فى بلد كانت الفوضى العارمة قانونه، وأن يتفوق بها على الدول الأوربية سلما وحربا، كما أنشأ صناعات وطنية وزراعة وريا حديثا وأسطولا قويا وجيشا نظاميا، وجيوشا مدنية من المتعلمين المثقفين.

وتمكن محمد على من بناء دولة عصرية مصرية على النسق الأوروبى، واستعان فى مشروعاته الاقتصادية والعلمية بخبراء أوروبيين، ومنهم بصفة خاصة «السان سيمونيون» الفرنسيون - وهم اتباع حركة سياسية واجتماعية فرنسية نشأت فى النصف الأول من القرن 19، ملهَمة بأفكار كلود هنرى ده روفروا، كونت سان - سيمون «1760–1825»، والذين أمضوا فى مصر بضع سنوات فى الثلاثينات من القرن التاسع عشر، وكانوا يدعون إلى إقامة مجتمع نموذجى على أساس الصناعة المعتمدة على العلم الحديث، وكانت أهم دعائم دولة محمد على العصرية سياسته التعليمية والتثقيفية الحديثة.

آمن محمد على بأنه لن يستطيع أن ينشئ قوة عسكرية على الطراز الأوروبى المتقدم، ويزودها بكل التقنيات العصرية، وأن يقيم إدارة فعالة، واقتصاد مزدهر يدعمها ويحميها، إلا بإيجاد تعليم عصرى يحل محل التعليم التقليدي، وهذا التعليم يجب أن يقتبس من أوروبا، وبالفعل بدأ منذ 1809 قام بإرسال بعثات تعليمية إلى مدن إيطالية «ليفورنو، ميلانو، فلورنسا، وروما» لدراسة العلوم العسكرية، وطرق بناء السفن، والطباعة، وأتبعها ببعثات لفرنسا، كان أشهرها بعثة 1826 التى تميز بها إمامها المفكر والأديب رفاعة رافع الطهطاوى، الذى كان له دوره الكبير فى مسيرة الحياة الفكرية والتعليمية فى مصر.

وتميز محمد على ببعد النظر والحزم والمرونة السياسية لذاك أدرك برأيه الصائب أن اقتباس الأنظمة الأوروبية ومجاراة الأوروبيين فى الأساليب العمرانية أمور لابد منها لرقى بلاده، وتثبيت دعائم حكومته التى كانت حكومة الآستانة تعمل على تقويضها، فلما أخفق فى محاولته تنظيم الجيش للمرة الأولى ستر إخفاقه بلباقته السياسية، لكنه بقى مصرا على العودة الى التنظيم عند سنوح أول فرصة، وتمهيدا لذلك استمال إليه بوسائل مختلفة بعض كبار الضباط المعارضين. وجهز حملة لفتح السودان بقيادة ابنه إسماعيل باشا أقصت الباقين من هؤلاء الضباط ومن تابعهم من الجنود.

وعانى محمد على خلال فترة حكمه القصيرة من المرض، وقد وصل إلى مرحلة الخرف؛ لذلك لم يقم أحد بإخباره بوفاة ابنه إبراهيم، وعاش بعد وفاة ولده لشهور قليلة، وفى اليوم الثانى من شهر أغسطس من عام ثمانمائة وتسعة وأربعين بعد الألف ميلاديّة توفى عن عمر يناهز الثمانين عاما - فى قصر رأس التين الموجود فى مدينة الاسكندرية المصريّة، ودفن بالقاهرة، وكانت مراسم الجنازة معتدلةً جداً من حيث الحضور؛ وذلك لأنّ الوالى عباس حلمى كان يخالف أقارب الباشا وخاصةً عمه وجدّه فى العديد من الآراء، وعقب تشييع جنازته وضع جسده وسط قاعة فسيحة وغطى بالأكفان النفيسة ودفن فى المسجد الرخامى الذى أنشأه على قلعة الجبل، وهو راقد هناك حتى اليوم ينظر على مصر كلها.

[email protected]