رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لاتندهش عزيزى القارئ من ذلك العنوان الغريب الذي قد يثير تساؤلك : ماعلاقة سقراط أشهر الفلاسفة ، ذلك الفيلسوف الزاهد فى مطالب الحياة  كاره النساء فى شخص زوجته اكزانثيب بالمطبخ  ؟! ، إنه عنوان كتاب كتبته د. عبير زكريا وهى أستاذة الميكروبيولجى بهيئة الطاقة الذريه وابنها أحمد عكاشه الطالب بالقسم الانجليزى باحدى المدارس ! وقبل أن تلوموننى قائلين : ومالك أنت وهذا الكتاب ومؤلفيه اللذين كتباه مستهزئين من فيلسوفنا العظيم سقراط ، دعونى أرد عليكم سريعا ، إنه كتاب فلسفى بامتياز ، ورغم صغر حجمه وعنوانه الغريب إلا أنه كتاب شديد العمق كثير الدلالات ؛ فهو عبارة عن مجموعة حوارات فلسفية جرت بين الأم د. عبير وابنها عبر عدة سنوات منذ أن كان صبيا وحتى بلغ السابعة عشرة من العمر ، وكل هذه الحوارات دارت فى ذات المكان ، مطبخ العائلة ، وعلى ايقاع الأم وهى تعد الطعام صباحا أو مساءا ومذاقات الأطعمة الشهية والمشرؤبات اللذيذة يسأل الطفل وتجيب الأم أو تسأل الأم ويجيب الطفل ! والطريف أنها كلها تساؤلات فلسفية وفى أعقد القضايا المتعلقة بالعقائد والقيم الأخلاقية والجمالية وفلسفة الطبيعة وماوراء الطبيعة وفلسفة الحياة والموت وفلسفة التربية والحياة اليومية وهمومها ومشكلاتها والمحن التى تواجه البشر والدروس المستفادة منها ..الخ .

إن عبقرية هذه الحوارات فى اعتقادى تكمن فى تمكن الإبن والأم وبراعتهما العقلية فى طرح كل هذه القضايا ليس فقط من منظورها الفلسفي المجرد بل من منظور تطبيقى يبدو فى حياتهما الخاصة حتى لقد ذكرانى فعلا بسفراط الذي كان يعيش فلسفته رغم أنه لم يكتبها ، وانما كتبها وخلدها تلاميذه وخاصة أفلاطون فيما عرف ب" المحاورات السقراطية " ، ويبدو أن الأم اطلعت على هذه المحاورات التى برع فيها أفلاطون فى وصف مكان وزمان كل محاورة ورسم ملامح شخصياتها المتحاورة بما فيهم سقراط نفسه . وهكذا فعلت الأم الكاتبة التى برعت فى وصف سقراطها الصغير وفى وصف خلفيات الحوار وأبعاده وزادت عليه بوصف دقيق لما كانت تعده فى مطبخها من مشروبات ومأكولات ، ومن ثم جاءت كل المحاورات مصحوبة بأحد المشروبات الجديدة اللذيذة أو بإحدى الأكلات التى برعت فيها الطاهية المحاورة مما يزيد القارئ متعة فى متابعة الحوار وهو يتخيل أنه يتذوق هذا المشروب اللذيذ أو تلك الأكلة الشهية !!

والكتاب حقيقة يفيض حكمة بما فيه من أفكار فلسفية عميقة ؛ فمن الحديث الذي يشبهان فيه تربية الأبناء بأنه نوع من القيادة وكما أن الانسان لكى يقود سيارة فعليه استخراج رخصة قيادة فهكذا ينبغى للأزواج قبل أن ينجبا أن يحصلوا على رخصة فى كيفية تربية وقيادة الأبناء ، إلى الحديث عن كيف يقود الانسان نفسه بالحكمة والعقل وليس بهوى النفس والجرى وراء تلبية شهواتها ، ثم الحديث عن كيف ينبغى للانسان أن يُعمل عقله ويفكر بحرية وأن يتحرر بالخروج عن المألوف وهو يصارع هوى النفس ! وكم كان الفتى بليغا وهو يصف  وكان لايزال فى العاشرة من عمره معنى الجمال والسعادة بقوله "أن السعادة تنبع من الداخل ولاتوهب من الخارج وأن الداخل – داخل النفس -هو الذي يضفى على الأشياء جمالها وحُسنها "، وكم كانت الأم حكيمة حينما أجابت ابنها عن تساؤلاته فى الزواج مميزة بين ثلاثة أنواع من الزواج هى زواج الصبر والاحتمال وزواج القبول والرضا وزواج السكن الذى هو أعلاها مرتبة وأندرها حيث يتوفر فيه التناغم والاحترام وتلبية الرغبات والاحتياجات النفسية المتبادلة بين الشريكين.

وكم كان جميلا أن تُختتم هذه الحوارات بحديث حول الله والتفكروفلسفة المحنة والعبادة ، وربما وافقتهما على كل الرؤى الملهمة التى عرضاها  فيما عدا حديثهما عن وهم الثقة بالنفس حيث اعتبرا أن الثقة بالنفس وهم من الأوهام باعتبار أننا لانملك من أسرار جسمنا ونفسنا شيئا ! وبالطبع ليس هذا هو مفهوم الثقة بالنفس ! وكذلك حديثهما عن الحب ورفضهما للحب من أول نظرة لما يترتب عليه فيما يقولان من قرارات خاطئة وزواج ينتهى بالفشل . والحقيقة أننى استمتعت بهذه السقراطيات  التى تفيض تفلسفا؛ فهذه المحاورات     الفكرية التربوية بين الأم وابنها مبنية على الحوار العقلى واحترام عقول الأبناء وتنشئتها فلسفيا ! إنه كتاب فى الفلسفة التطبيقية باعتباره دروسا متنوعة وعميقة فى الاستشارة الفلسفية بامتياز للصغار والكبار على حد سواء .