رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

إن الأسطورة تلعب دورًا سحريًّا فى كافة أيديولوجيات الأديان الإبراهيمية وهى تمثل العصب الفكرى لكافة أشكال اللاهوت السياسى فى هذه الأديان. ومن الإنصاف أن نذكر أن الإسلام يتضمن فى بنية تكوينه وعناصره قدرًا عاليًا من الفكر الأسطورى، فالأسطورة ماثلة فى كافة التفاصيل الصغيرة والكبيرة لحياة المسلم سواء فى النوم أو اليقظة أو القيام أو القعود، أو الأكل أو الجنس، أو الضحك، أو البكاء، أو الحلم، أو الواقع، أو فى أداء الطقوس، أو ممارسة الحياة اليومية والسياسية.

البعد الغيبى كامن وماثل ومحايث فى كل هذه التفاصيل الدقيقة ينظمها ويؤطرها ويقولبها ويمنهجها وفقا لسلطته وسلطانه. فمثلًا يؤمن كثير من المسلمين بأنهم ليس لهم حرية التصرف حتى فى أجسادهم، فهذا البدن ليس ملكا لهم ولكن ملك لخالقه. وفى هذا السياق فإن كل أفكار الإنسان وتخيلاته وقراراته وتصرفاته وأفعاله ونواياه ما ظهر منها وما بطن مكشوف تماما أمام قدرة الله الفائقة الخارقة لأن الله يراك وأنت لا تراه.

هكذا يعتقد المسلم مثلما يؤمن بأن ملاك الخير (الذى يجلس عن يمينه) يحصى ويدوّن كل الأفعال الخيرة الطيبة، وملاك الشر (الذى يجلس عن يساره) يدوّن ويحصى كل أفعال الشر والرذيلة. إن اليمين فى الإسلام يرمز للمقدس والخير، فى حين يرمز اليسار للمدنس والشر.. وهكذا فإن الأفكار والكلمات والأمكنة والأزمنة والجهات والشخصيات والأحداث تكتسب فى سياق الفكر الأسطورى سمتًا قداسيًا خاصًا.. ولذلك لا انفصال بين الأخلاق والسياسة فى الخطاب الإسلامى، ولا انفصال بين الدين والحياة ولا بين الدين والسياسة.

وللأسطورة تعريفات ومعانى كثيرة، لعل أكثرها تداولًا وانتشارًا أن الأسطورة قصة خيالية أو رمزية يعتقد أنها حدثت فى زمن موغل فى القدم، أو اللا زمن، أو زمن غير معروف أو محدد. ورغم وجاهة هذا التعريف إلا أننى أعتقد أن الأسطورة يمكن أن تكون أيضا قصة واقعية حدثت بالفعل، لكن تم أسطرتها وعزلها عن سياقها التاريخى الواقعى وإحاطتها بهالة من التحريم والتبجيل والتقديس بحيث تبدو وكأنها تنتسب لأصل إلهى.

هكذا نتعامل نحن المسلمون مع تراثنا وتاريخنا الإنسانى بدءًا من مولد الرسول محمد ومرورًا بسيرته وبالوحى وبالإسراء والمعراج وغزواته والحروب التى تلت موته، خاصة حروب الفتنة الكبرى، وعصر الخلفاء الراشدين وما بعدهم... فى كل هذا نحن لا نقرأ تاريخًا بشريًا ولكننا نقرأ تاريخًا مقدسًا لا ينبغى نقده أو تأويله أو إخضاعه للتحليل التاريخى أو التعبير عنه بطريقة فنية وإبداعية. لا إن هذا التراث يتم التعامل معه فقط بحساسية مفرطة وعبر رؤية أحادية، جمودية، طقوسية، اصطفائية، مثالية، تقديسية... إلخ.

وفى ظل هذه النظرة التحريمية للتاريخ الإسلامى يتحول هذا التاريخ إلى تابو، إلى مقدس، إلى سيرة ملحمية أسطورية لا تنتمى للتاريخ البشرى بكل نواقصه وهفواته وخطاياه. وليت الأمر يقف عند هذا الحد إذ تمتد هالة التقديس والتحريم لتطال كل من يتحدث باسم النص المقدس سواء كان هذا النص هو القرآن أو الأحاديث المروية عن الرسول، ولذلك فقد تحولت بعض الشخصيات الدينية المعاصرة إلى رموز مقدسة، ومعصومة من الخطأ، وبهذا المعنى فقد تعامل المسلمون مع الشيخ الشعراوى بوصفه الإمام الذى بعثه الله ليُجدد دين الأمة، مصداقًا لقول الرسول: «يبعث الله على رأس كل مائة سنة، من يُجدد لها دينها»!

على أية حال فإن الأساطير تتسم عن غيرها من الأفكار العقلانية بأنها أكثر قدرة على التعايش مع الأحداث المتغيرة، وعلى الرغم من أنها تحكى تاريخًا مقدسًا إلّا أنّها تتسم بقدر عالٍ من المرونة، بحيث يسهل استدعاؤها واستحضارها فى أى لحظة مهما بلغت الأسطورة من القدم والنسيان.

وللحديث بقية.