رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى عيد الأم نسمع نستمتع بأغنية (ست الحبايب).. للأغنية قصة قد تكون صحيحة وقد لا تكون.. المهم أننا نبتهج ونسعد بها. تشجينا تجعل العيون تترقق بالدموع.. لماذا؟ إنه الفن القادر أن يخترقك بلا أدنى ممانعة.. إنه الفن الذى يتلامس مع وجدانك ومشاعرك ويجعلك تشعر وتتواشج معه.. فى أغنية (ست الحبايب) كم من المشاعر الطاغية والصادقة والقادرة أن تتداعب وتتمازج مع مشاعرك.. أنت تشعر أنها تعبر عما تريد أن تقول.. هذا ما فعله الشاعر الجميل (حسين السيد).. ثم العبقرى موسيقار الأجيال: (محمد عبدالوهاب) يضفى عليها ذلك العبق والشجن والإحساس الطاغى.

ما فعله (عبدالوهاب) أنه تمكن من إخراج طاقة الكلمات عبر الألحان، لقد جعل الكلمات تتألق تتواجد بشكل أكثر حيوية، لحن عبد الوهاب للكلمات جعلها تتحرر من سجن الكلمات المسطورة إلى أن جعلها حرة طليقة متاحة، أن تتواجد فى كل مكان وكل زمان، ومن ثم تلتقطها الآذان فتسعد وتنبهر وتندهش من كم التألق الذى تحويه الكلمات. ثم نجد الرائعة (فايزة أحمد) تتمكن بقدرتها الفائقة أن تعبر وأن تحفز فى داخلك ذلك اللحن وتلك الكلمات، فلا تملك إزاء ذلك العمل إلا أن تترقرق عينيك بالدموع، إنها دمعة الشجن ودفقة التألق.

تألق الذات عند سماع تلك الأغنية فتجعلك تعرف قيمة الأم وما قدمته عبر الرحلة، فإن كانت موجودة تجعلك تعيد النظر إليها وتقدرها وتفهم رحلة الحياة، وإن لم تكن فأنت تسافر عبر الزمن الراحل فى محاولة للتذكر لكى تتأسى ولكى تقدر ولكى يزداد شجنك الرقيق تجاه الأم التى رحلت، ماذا فعلت فينا أغنية (ست الحبايب) تداعبنا.. تشجينا..تمتعنا.. تسعدنا، ورغم كثرة الألحان والكلمات للأم تبقى تلك الأغنية أيقونة عيد الأم، ولا يمكن أن يكون عيد الأم إلا بتلك الأغنية.

ولعلنا نسأل لماذا تعتبر تلك الأغنية أيقونة عيد الأم؟ يمكن الإجابة فى نقاط محددة فى هذا المقال:

أولا: القدرة على التقاط اللحظة الجوهرية أو اللحظة الذهبية والثرية لكى يتواجد الإبداع بشكل مكتمل، بمعنى أن الفكرة تم اقتناصها من قبل (حسين السيد) نتيجة موقف محدد أو ظرف معين، وعليه تلقاها عبد الوهاب الذى تمكن أن يتواشج ويتلاقى مع إبداع وكلمات (حسين السيد).

فى الوقت نفسه نجد الكلمات والألحان بقى أن يكتسى الإبداع بأفضل أنواع الرداء الملائمة والمتألقة والجذابة فكان خيار (فايزة أحمد)، لكى تنتقل إليها تلك اللحظة بكل زخمها، لذلك تألق إبداعها فى أداء الأغنية، وعليه وصلت إلى الجماهير فى كل مكان بشكل فيه الألق الجميل والقادر على الإبهار. ثانيا: امتلاك أضلاع المثلث الثلاث القدرة الإبداعية العالية أو المتدفقة والمنسابة، هذا ما يمكن أن نلاحظه فى الكلمات العميقة والجميلة والمعبرة بقدرة ربما تستعصى على الوصف، نفس الأمر فى اللحن الذى تمكن عبد الوهاب أن يشحنه بطاقة تأبى أن تنتهى، فالمتلقى لهذا اللحن مع الكلمات يكتشف أنه يحتوى طاقة غريبة، هى طاقة استحواذية، هى طاقة احتواء للذات، طاقة النفاذ للأعماق، ومن ثم تلتصق بالوجدان، هى طاقة قادرة على إبراز القيمة والمعنى والدلالة بشكل مختصر، وهذا الأمر يندر أن نجده بشكل كبير.

ثالثا: الإدراك الواعى والقوى والعميق لأهمية العملية الإبداعية والعمل الإبداعى، فالمطلوب من الإبداع أن يكون له التواجد والحيوية فى أرض الواقع لكى يحدث التغيير، أو يتمكن أن يحدث درجة عالية من التأثير والتغيير إلى المنشود والأفضل، أو بلغة أرسطو (ما يمكن أن يكون)، وما الذى نريده أن يكون فى هذا العمل؟ أن نستشعر قيمة وروعة الأم وما تقدمه فى الحياة بشكل عام. ما يمكن أن يوجد هو إمكانية أن يحدث درجة عالية من التأثير والتغيير إلى المنشود والأفضل. سواء فى المستوى الوجدانى أو العقلى والسلوكى.

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال – أكاديمية الفنون