رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لعله ليس من قبيل الانفعال اللحظى بالأحداث التى يتابعها الجميع على شاشات الفضائيات القول إن الحرب التى تشنها روسيا على أوكرانيا بتداعياتها المختلفة حتى الآن تعد الأزمة الأخطر على النظام الدولى منذ الحرب العالمية الثانية، حتى أنه يمكن القول إنها أزمة فارقة فى تاريخ هذا النظام، لا نبالغ إذا قلنا إنه سيتم التاريخ بها لمسار هذا النظام.. بما قبل وما بعد الغزو الروسى لأوكرانيا! صحيح أن النظام الدولى لا يتوقف بطبيعته عن مواجهة الأزمات، إلا أنها تختلف فى حدتها ما بين أزمة وأخرى، والأزمة الأخيرة، حسب معايير الخطورة ومستوياتها وهى عديدة تعد فى تقديرنا وربما تقدير الكثيرين الأخطر عالميًا.

وإذا كان القول الدارج بشأن أنك تستطيع أن تبدأ حربًا ولكن لا يمكنك أن تعرف كيف تنهيها يصدق على تطورات الحرب فى أوكرانيا، فإن مصدر الخطورة هو أن الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها احتمال انجرار العالم إلى حرب عالمية ثالثة ستكون مختلفة هذه المرة، حيث قد يكون السلاح النووى- تكتيكى أم غير تكتيكى- جزءًا من أدواتها. صحيح أن هذا الاحتمال يبدو ضعيفًا للغاية ولكنه ليس مستبعدًا. لقد بدأت عملية الغزو على نحو تصور معه الكثيرون أنها ستكون نزهة للقوات الروسية وراح البعض يهلل لقوة بوتين ومنطقه فى التعامل مع الأزمة التى تواجهها بلاده، انطلاقًا من أنه لا يفل الحديد إلا الحديد، بل وساد تصور أن كييف ستسقط خلال الأيام الأولى للغزو– بعض الصحف أعلنت عن سقوطها استباقًا للحدث وثقة من حدوثه.

غير أن ردة فعل الغرب كانت بالغة الشراسة، بدءًا من تزويد أوكرانيا بأسلحة مختلفة، مرورًا بدعم مالى كبير. غير أن الجانب الأهم كان هو العقوبات الاقتصادية. ورغم أن هذه العقوبات سلاح معروف فى العلاقات الدولية فإنه مورس فى هذه الأزمة بما يرتقى لوصفه بـ«حرب اقتصادية» شاملة وليست عقوبات اقتصادية، لا شك أنها ستلقى بتأثيرات كارثية على الاقتصاد الروسى رغم امتداد هذه التأثيرات إلى اقتصادات الدول التى فرضتها بل والاقتصاد الدولى بأكمله.

بعيدًا عن تفصيلات المشهد، وهى عديدة فإن ملخص الأزمة هو تحولها إلى صراع إرادات بين روسيا والغرب.. صراع يحاول فيه كل طرف كسر إرادة الطرف الآخر.. فـ «روسيا– بوتين» تحاول أن تفرض رؤيتها لوضعها فى سياق النظام الدولى كقوة فاعلة ورئيسية فيه ودرء خطر يكاد أن يصل إلى عقر دارها من خلال أوكرانيا. والغرب يحاول فرض هيمنته واحتواء جيب قبل أخير من القوى المناكفة التى تهدد قوته الشاملة. روسيا تحاول تقويض نظام ما بعد سقوط جدار برلين الذى دعا البعض مثل فوكوياما على إثره إلى التبشير بانتهاء التاريخ وانتصار الليبرالية الغربية، وفرض صيغة جديدة لشكل النظام الدولى، والغرب يحاول الحفاظ على الصيغة التى ارتضاها لذلك النظام وتوصل إليها بعد عقود من الصراع.

وبين هذا وذاك تقف الصين التى تناوئ الغرب وتهدد كقوة اقتصادية مكانة الولايات المتحدة طرفًا فاعلًا رئيسيًا فى مسار الأزمة، ففى مواجهة تضامن الغرب وتكاتفه ضد روسيا وضعف باقى دول النظام الدولى وحيرتها عن اتخاذ موقف محدد فى «صراع الحيتان» عملًا بمنطق «لا أرى لا أسمع لا أتكلم»، تقف بكين مساندة بشكل أو بآخر لروسيا لتحقيق هدف تآكل قوة الغرب.

وإذا كانت الحرب كما يتصور البعض فخًا لروسيا للإجهاز على قوتها، وهو أمر ربما تغرى الأحداث بإشارة البعض لتحققه، فربما تكون مصيدة صينية للطرفين تمهيدًا لظهور العملاق الصينى.. أيًا كانت التصورات، وهى عديدة، لمستقبل العالم فمن المؤكد أن الحرب الجارية ليست سوى محاولة لتغيير تراتبية القوى على كرسى النظام الدولى.

[email protected]