رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

سعد زغلول يقود أول احتكاك مباشر مع المستعمر البريطانى

 

باقٍ أيام قليلة على ذكرى ثورة 1919، وتأسيس حزب الوفد الذى اقترن بهذه الثورة التى تعد أعظم الثورات فى تاريخ البشرية، ومؤخراً مرت مائة عام ويزيد قليلا على إرهاصات هذه الثورة والمتمثلة فى تأسيس الوفد المصرى الذى خاض أول احتكاك مباشر مع المستعمر البريطانى، خلال المطالبة باستقلال مصر، فيوم 13 نوفمبر عام 1918، كان الإرهاص الأول لثورة 1919، ولذلك تم اتخاذه عيداً وطنياً مصرياً ظل الاحتفال به حتى قيام ثورة 1952.

ýوسنعرض خلال السطور القادمة صفحة وطنية مضيئة فى تاريخ الحرية والكرامة الإنسانية التى ناضل من أجلها المصريون خلال هذه الحقبة الزمنية.. والبداية نعرض لها فى الفترة التى أعقبت الحرب العالمية الأولى «1914ـ1918» وخلال هذه الحرب عانى المصريون كثيراً من الاحتلال البريطانى ومن الضيق السياسى والاقتصادى الذى حرمهم من الإفادة من مواردهم الاقتصادية وممارسة حقوقهم وحرياتهم العامة ووقف النشاط السياسى وشل حركة الهيئات النيابية والحزبية والنقابية، ووقعت أضرار بالغة بحرية الصحافة وحرية الاجتماعات وتم إعلان الأحكام العرفية وفرض الرقابة العسكرية البريطانية، وإعلان بريطانيا حمايتها على مصر وشددت سلطات الاحتلال قبضتها على الشئون المصرية وتم تعطيل الصحف المصرية وقتذاك، وهى صحف «الشعب» المعبرة عن الحزب الوطنى و«الجريدة» لسان حزب الأمة، و«المؤيد» المعبرة عن حزب الإصلاح، ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 وشيوع أنباء انتصار بريطانيا ظهرت صحيفة «السفور» تكتب عن مبادئ الرئيس الأمريكى «ولسون» فى إقرار حقوق الحرية والاستقلال وتقرير المصير لكافة الدول والشعوب، والمبادئ التى أعلنتها الثورة البولشيفية فى روسيا بشأن تحرير البلاد المحتلة والعدالة الاجتماعية والوعود البريطانية لمصر بمنحها الاستقلال بعد انتهاء الحرب.

ýوهنا بدأ تأليف الوفد المصرى، وبدأ كفاحه، وأرويه من خلال ما ورد فى مقال علمى للمؤرخ الكبير الدكتور رمزى ميخائيل، وما أورده الكاتبان العملاقان عباس محمود العقاد وعبدالرحمن الرافعى وما أورده أحمد شفيق فى حوليات مصر السياسية.

ýعندما عقدت تركيا الهدنة مع بريطانيا وحليفاتها فى آخر أكتوبر 1918، وأعلنت الهدنة العامة بين الدول المتحاربة، فى يوم 11 نوفمبر 1918، كانت آثار الضيق السياسى والاقتصادى لدى المصريين، قد تفاعلت مع عامل الأمل فى الاستقلال والتطلع إليه.

ýوتمثلت زعامة الحركة الوطنية بمصر فى سعد زغلول، وكيل الجمعية التشريعية المنتخب وزعيم المعارضة بها، ومعه زملاؤه الأعضاء البارزون فيها، وأخذ «سعد» يعمل لتأليف جماعة أو هيئة، للمطالبة بحقوق مصر فى الحرية والاستقلال والحكم النيابى.

ýوفى يوم 13 نوفمبر 1918، قابل سعد زغلول ومعه عبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى زميلاه فى الجمعية التشريعية، «السير ريجنلد ونجت» المندوب السامى البريطانى لدى مصر، فبدأت المواجهة المباشرة بين ممثلى الشعب المصرى وممثل دولة الاحتلال.

ýوتبلور حديث المقابلة فى أن طلب سعد زغلول وزميلاه من «السير ونجت»، إلغاء الأحكام العرفية والرقابة المفروضة على الصحف، وسائر المطبوعات، وتحقيق الاستقلال لمصر، وأكدوا له إعطاء بريطانيا الضمانة المعقولة لعدم مساس أى دولة به، أو بمصلحة بريطانيا أو بحقوق أصحاب الديون من الأجانب، وتحدث المندوب السامى البريطانى عن الفوائد التى جنتها وستجنيها مصر من بريطانيا، وميله إلى إلغاء الرقابة الصحفية، والتفات بريطانيا إلى مطالب مصر بعد الفراغ من مؤتمر الصلح، وأشار إلى افتقار المصريين عامة إلى رأى عام بعيد النظر، وافتقار الحزب الوطنى خاصة إلى التعقل والروية، وعدم كفاءة مصر للاستقلال، واحتمال تعرضها لاعتداء أى دولة قوية عليها.

المقابلة

ýوعقب المقابلة، اجتمع ممثلو الشعب المصرى الثلاثة، بحسين رشدى رئيس الوزراء ـ وزير الداخلية، الذى أيد مسعاهم وبدأ إجراءات تنفيذ ما سبق اتفاقهم عليه، وهو سفر وفدين أحدهما رسمى يترأسه حسين رشدى، والآخر شعبى برئاسة سعد زغلول، على أن يساند كل منهما سعى الآخر، ووافق السلطان أحمد فؤاد على سفر رئيس الوزراء، وعدلى يكن وزير المعارف العمومية، إلى لندن، لبحث مستقبل مصر السياسى مع الحكومة البريطانية.

ýوفى اليوم ذاته، أبدى المندوب السامى البريطانى لرئيس الوزراء المصرى، دهشته من أن سعد زغلول وزميليه يتحدثان عن أمر أمة بأسرها دون أن تكون لهما صفة التحدث باسمها، فأوضح رئيس الوزراء تمتعهما بهذه الصفة، بعضويتهما فى الجمعية التشريعية، الهيئة التى تمثل الأمة المصرية من الناحية النظامية.

ýفأسرع سعد زغلول إلى تنفيذ ما سبق اتجاه الفكر إليه، بالاتفاق مع زملائه على تأليف هيئة تسمى الوفد المصرى، مهمتها المطالبة باستقلال مصر، على أن تحصل على توكيلات من أفراد الأمة تخولها صفة التحدث باسمها، لدحض الزعم البريطانى بافتقارهم إلى هذه الصفة.

ýوتألف الوفد المصرى فعلاً فى يوم 13 نوفمبر 1918، برئاسة سعد زغلول، وعضوية على شعراوى، عبدالعزيز فهمى، عبداللطيف المكباتى، ýمحمد على علوبة، من أعضاء الجمعية التشريعية، ومحمد محمود، وأحمد لطفى السيد، الذى يمثل رجال الفكر والصحافة بين رجال السياسة والقانون والإدارة، وكانوا يعتنقون المبدأ «الليبرالى»، ويمثل أكثرهم طبقة كبار الملاك.

ýوقد صدق أعضاء الوفد على قانونه يوم 23 نوفمبر 1918، بعد أن ضم إليه أعضاء آخرين، لتمثيل الحزب الوطنى وكافة فئات الأمة المصرية، ونص قانون الوفد على أن اسمه هو «الوفد المصرى»، ومهمته هى «السعى بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجد للسعى سبيلاً فى استقلال مصر استقلالاً تاماً»، وأنه «يستمد قوته من رغبة أهالى مصر التى يعبرون عنها رأساً أو بواسطة مندوبيهم بالهيئات النيابية»، و«أن للوفد أن يضم إليه أعضاء آخرين مراعياً فى انتخابهم الفائدة التى تنجم عن اشتراكهم معه فى العمل».

ýوتنص المادة الأخيرة على أن «يعين الوفد لجنة تسمى باللجنة المركزية للوفد المصرى، يختار أعضاءها من ذوى المكانة والغيرة، ومهمتها جمع التبرعات على ذمة الوفد ومراسلة الوفد بما يهم من الشئون الخاصة بمهمته».

ýووضع الوفد صيغة توكيل له يوقعه أفراد الأمة المصرية، ولما لاقت حركة التوكيلات حماسة شعبية هائلة، خشيت السلطة العسكرية البريطانية أن تتطور إلى حركة عامة للمطالبة بالاستقلال التام، فأصدرت أوامرها إلى المديرين بمنعها، ولكنها استمرت فى الخفاء واتجه الوفد إلى ممارسة النشاط السياسى الجماهيرى، ولكن السلطات المختصة منعت اجتماعاته وصادرت منشوراته.

ýولم تستطع الصحف المصرية الخاضعة للأحكام العرفية والرقابة العسكرية المشددة، أن تنشر أى مادة صحفية مفصلة، عن مقابلات يوم 13 نوفمبر 1918، وحرمت تماماً من ذكر اسم الوفد والكتابة عن تأليفه وتحركه، فتناقل الناس أخباره همساً.

ýوقد اتخذ التعارض بين المطالب المصرية وأسس السياسة البريطانية، شكلاً مباشراً واضحاً، عندما طلب سعد زغلول من قيادة الجيش البريطانى والمندوب السامى بمصر، فى يومى 20، و29 نوفمبر 1918، السماح لـ«الوفد» بالسفر إلى لندن للتباحث مع المسئولين فى مستقبل مصر، ولكن السلطات البريطانية أبلغت سعداً فى أول دسيمبر 1918، رفضها الترخيص للوفد بالسفر، ودعته إلى تقديم مقترحاته عن نظام الحكم فى مصر إلى المندوب السامى البريطانى، على ألا تخرج عن دائرة الحماية البريطانية على مصر، فاحتج سعد زغلول بكافة الوسائل ولدى كل الجهات المعنية على السياسة البريطانية.

ýوردت الحكومة البريطانية على طلب حسين رشدى وعدلى يكن، المقدم فى 13 نوفمبر 1918 السفر إلى لندن بتأجيله إلى ما بعد انعقاد مؤتمر الصلح المزمع عقده فقدم الاثنان استقالتيهما يوم 2 ديسمبر 1918، إلى السلطان أحمد فؤاد، الذى يتريث فى القبول.

ýوفى مواجهة تعنت الحكومة البريطانية اتخذ الوفد يوم 5 ديسمبر 1918، عدة قرارات تمثل تحولاً واضحاً فى خطته وبرنامجه، هى العدول عن السفر إلى لندن، وعدم الاقتصار فى المفاوضة على بريطانيا وحدها، والسعى لسفر الوفد إلى مؤتمر الصلح بباريس، ونقل القضية المصرية إلى الميدان الدولى، والاتصال المباشر بممثلى الدول، والاتصال بالرئيس الأمريكى «ولسون» و«المسيو كليمنصو» رئيس مؤتمر الصلح، بكافة الوسائل، والامتناع عن تنفيذ أوامر السلطات البريطانية التى تمس مطالب مصر وهى: إلغاء الحماية وإنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال، أو تعطل كفاح الوفد، أو تمس بكرامته وحريته.

ýوبدأ الوفد فوراً تنفيذ برنامجه السياسى الجديد، فبعث بعرض منطقى لتطور القضية المصرية، وتأليف الوفد ومطالبه، إلى معتمدى الدول بمصر، والرئيس الأمريكى «ولسون»، ولكن الرقابة البريطانية عرقلت إرسال برقيات الوفد إلى الخارج، ومنعت الصحف المصرية من الكتابة عن نشاطه.

 

القيود

ýورغم كافة القيود تمكن الوفد من عقد اجتماع كبير يوم 13 يناير 1919، فى بيت عضوه حمد باشا الباسل بالقاهرة، وألقى سعد زغلول خطاباً سياسيا قوياً، تناول فيه جميع جوانب المسألة المصرية، وبادرت أمانة الوفد بطبع الخطاب وتوزيعه فى العاصمة والأقاليم تخطياً لحظر النشر عن الوفد فى الصحف.

ýواستشعاراً لأهمية حركة الوفد، استدعت الحكومة البريطانية مندوبها السامى بالقاهرة «السير ريجنلد ونجت»، للتشاور فغادر بورسعيد يوم 21 يناير 1919، إلى لندن، وناب عنه بالقاهرة «السير ميلن شيتام».

ýومضى الوفد فى كفاحه فدعا سعد زغلول ستمائة شخص لحضور اجتماع يعقد يوم 31 يناير 1919، فى خيام تنصب بجوار «بيت الأمة» ولكن السلطة العسكرية البريطانية منعته، فأدان رئيس الوفد هذا المنع، واحتج عليه برقياً لدى رئيسى الحكومتين البريطانية والأمريكية، وأبرق إلى رئيس مؤتمر الصلح، يطالبه بضرورة عرض قضية مصر على المؤتمر، وحذفت الرقابة كل ما يختص بهذا الموضوع، من صفحات الصحف المصرية.

ýواشتدت الأزمة السياسية فى مصر، بقبول السلطان أحمد فؤاد استقالة وزارة رشدى فى أول مارس 1919، فقد وافقت الحكومة البريطانية على سفر رئيس الوزراء ووزير المعارف العمومية إلى ýلندن، فى فبراير أو مارس 1919، ولكنهما اشترطا لسحب استقالتيهما وسفرهما، السماح بالسفر لكل المصريين، ولكن الحكومة البريطانية رفضت وقبل السلطان استقالة الوزارة، فاستاء الرأى العام المصرى من تحول موقف السلطان من مساندة الحركة الوطنية إلى الخضوع للسياسة البريطانية.

ýوكتب الوفد إلى السلطان يوم 2 مارس 1919 معاتباً على قبول استقالة الوزارة الوطنية المؤيدة للوفد، واحتج يوم 4 مارس لدى ممثلى الدول بمصر، على السياسة البريطانية التى تحرم الشعب المصرى من رفع صوته فى مؤتمر الصلح، وتسعى لتأليف وزارة تعارض أهدافه الوطنية.

ýنفى أقطاب الوفد

ýرأى المسئولون البريطانيون فى كفاح الوفد، تحدياً لهم وتشهيراً بتصرفاتهم، وتحريضاً للشعب على مقاومة السلطات، وعرقلة تأليف وزارة تساير السياسة البريطانية، وظنوا أن سياسة التهديد والعنف كفيلة بالقضاء على هذه الحركة فى مهدها فاستدعى «الجنرال وطسن» نائب قائد القوات البريطانية فى مصر، يوم 6 مارس 1919، رئيس وأعضاء الوفد، وأنذرهم بالمعاملة الشديدة إذا قاموا بأى عمل يعرقل سير الإدارة.

ýفبادر رئيس الوفد بإرسال برقية إلى «لويد جورج» رئيس الوزارة البريطانية احتج فيها على تصرف السلطة البريطانية، وأكد طلب الاستقلال، وبطلان الحماية، وطلب حل الأزمة بالسماح للوفد بالسفر لعرض قضية مصر على مؤتمر الصلح، فتأكدت السلطة البريطانية من إصرار الوفد على موقفه.

ýوفى مساء السبت 8 مارس 1919، ألقت مجموعة من الجيش البريطانى القبض على رئيس الوفد سعد زغلول وثلاثة من أقطابه هم: محمد محمود وإسماعيل صدقى وحمد الباسل، واعتقلوهم فى ثكنة قصر النيل طوال الليل، وصباح اليوم التالى، الأحد 9 مارس، نقل قادة الوفد الأربعة إلى بورسعيد بالقطار، ومنها بالباخرة إلى جزيرة مالطة حيث المنفى والمعتقل.

ýوعلى الفور اعترض باقى أعضاء الوفد برئاسة على شعراوى وكيله لدى السلطان فؤاد ورئيس الوزارة البريطانية ومعتمدى الدول الأجنبية بمصر على اعتقال أقطاب الوفد وأعلنوا إصرارهم على الاستمرار فى المطالبة بحقوق مصر بكل الطرق المشروعة.

ýكان القبض على أقطاب الوفد الأربعة ونفيهم إلى مالطة بعد أن تعلقت آمال المصريين بالوفد هو الشرارة التى فجرت طاقات الشعب المكبوتة.

ýففى صباح الأحد 9 مارس 1919، اندلعت ثورة المصريين احتجاجاً على الحماية والاحتلال البريطانى الذى فرضها وما صاحبهما من ظلم واستغلال وعلى المصير الذى آل إليه القادة المصريون المعبرون عن مطالب شعبهم وأمانيه.

ýفى البداية امتنع طلبة مدرسة الحقوق بالجيزة عن تلقى دروسهم وأعلنوا إضرابهم امام المسئولين البريطانيين، وأكدوا أنهم «لا يدرسون القانون فى بلد يداس فيه القانون» وتوجهوا فى تظاهرة سلمية إلى مدرستى المهندسخانة والزراعة بالجيزة ثم إلى مدرسة الطب بشارع قصر العينى ومدرسة التجارة العليا بشارع المبتديان، واتجهوا جميعاً هاتفين لمصر وسعد زغلول إلى ميدان السيدة زينب، حيث أدركهم رجال البوليس، واحتجز بعضهم وانضم طلبة كثيرون من المدارس إلى زملائهم واختلط الجمهور بالطلبة واحتكت التظاهرة برجال البوليس فاعتقل نحو ثلاثمائة طالب بالقلعة.

ýوفى اليوم التالى 10 مارس 1919 اتسع نطاق الثورة بأن أعلن جميع طلبة المدارس والأزهر الإضراب العام وألفوا تظاهرة كبرى وانضم إليهم أفراد من سائر فئات الشعب، واخترق الجميع شوارع وميادين القاهرة ومروا بدور المعتمدين السياسيين هاتفين بحياة مصر والحرية والوفد، منادين بسقوط الاحتلال والحماية، فأطلقت جماعة من الجنود البريطانيين النار على المتظاهرين وسقط أول شهيدين وأتلف بعض المتظاهرين كثيراً من قطارات الترام وعطلوها، وأضرب عمال شركة ترام القاهرة عن العمل فتوقفت جميع قطاراتها، كما توقف قطار «هليوبوليس» الكهربائى فى سيره عند محطة كوبرى الليمون وحطم المتظاهرون بعض المحلات التجارية المملوكة للأجانب ومصابيح وأشجار بعض الشوارع وبادر الطلبة بإذاعة منشور فى الصحف العربية والأجنبية أعلنوا فيه أسفهم على حوادث الاعتداء على المرافق العامة والممتلكات الخاصة ودعوا إلى الإقلاع عنها.

ýثم تزايدت الأعمال الثورية وامتدت إلى كافة الأقاليم، فتصدى الجيش البريطانى لها بعنف وسقط الشهداء والجرحى من المصريين فطغت أخبار الثورة على صفحات كل الصحف المصرية التى حملت على أعمال العنف والتخريب وحاول بعضها نقد سياسة المحتل البريطانى.

ýكفاح الوفد فى الخارج

ýفشلت الحكومة البريطانية وسلطاتها فى مصر فى مواجهة الثورة بوسائل الكبت والقهر، فاتجهت إلى مهادنة الثوار والتخفيف من حدة الثورة، بالسماح للقادة المصريين بالسفر لعرض قضية مصر فى لندن أو باريس، وتشكيل وزارة مصرية معتدلة، تجدد لها الدعوة لزيارة لندن، ولم تتخذ الحكومة البريطانية هذا الموقف، إلا بعد نجاحها فى إقناع حلفائها فى مؤتمر السلام، بالاعتراف بالحماية البريطانية على مصر، وانتفاء أى ضرر يصيب المصالح البريطانية من عرض المطالب المصرية على المؤتمر أو الحكومة البريطانية وقد صدر الإفراج عن قادة الوفد المنفيين يوم 7 أبريل 1919 فاتجهوا من مالطة إلى فرنسا ولحق بهم باقى أعضاء الوفد المصرى الذين سافروا من القاهرة يوم 11 أبريل إلى مالطة، حيث التقوا بسعد زغلول وزملائه الثلاثة، وأبحروا جميعاً إلى فرنسا فوصلوا إلى مارسيليا يوم 18 أبريل 1919.

ýواستثمرت الصحف الوطنية هذه المناسبة فى المطالبة بالدستور والحكم النيابى وعقد الجمعية التشريعية الموقوفة.

ýواعتمد كفاح الوفد المصرى بالخارج على جميع الأساليب السياسية والوسائل الإعلامية وأبرزها الصحافة وسعى الوفد بمساندة الجمعيات المصرية فى دول أوروبا للتأثير فى الرأى العام الأوروبى، كما سعى للتأثير فى الرأى العام الأمريكى، رغم وقوف بريطانيا بإمكاناتها المتعددة ضد الأمانى والمساعى المصرية.

ýوقد صدم الوفد باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية ومؤتمر الصلح بالحماية البريطانية على مصر فى أبريل 1919، وكان عليه أن يقرر إما إنهاء مهمته بالخارج وإما الاستمرار فيها، ولكن قيادة الوفد تمكنت من احتواء الصدمة والإبقاء على ارتفاع الروح المعنوية، بدعم قوى من الصحف الوطنية، وقرر الوفد البقاء فى باريس، بعيداً عن الأحكام العرفية فى مصر وجعلها مركزاً للإعلام بحقائق المسألة المصرية فى أنحاء العالم، وإثارة المشاعر الوطنية فى مصر.