رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

أن يصدر هذا الكتاب «المسكوت عنه فى سينما الأنبياء» لمؤلفته الزميلة حنان أبو الضياء دون أن يلقى الاحتفاء المناسب به وبموضوعه فإن الأمر، يعبر عن جانب من أزمتنا فى التعامل مع القضايا الجادة والمهمة، فالكتاب يعد، فى تقديرى، المحاولة الأولى لتناول هذا الجانب بالتدقيق والتحليل وبما يغطى عجزا كبيرا فى مكتبتنا العربية بشأن هذه القضية.

بالطبع يمكن فهم جانب من أبعاد ذلك الأمر والتى تتمثل بشكل أساسى فى الموقف المبدئى الذى تتخذه المجتمعات الإسلامية وهو أن قصص الأنبياء يجب أن تكون بعيدة عن التناول السينمائى لما تتطلبه من ظهور الأنبياء والذين يعتبر ظهورهم وفق هذه الرؤية من المحرمات.

غير أن القضية من خلال التناول الذى تقدمه المؤلفة تتخذ أبعادا أكبر من تلك الرؤية الكلاسيكية أن لم نقل السطحية فى ضوء القفزات التى حققتها البشرية على مستويات عدة أصبحت معها السينما ليست مجرد أداة ترفيهية وإنما وسيلة لتعزيز رؤى ومواقف تمثل جانبا من الصراع على الاستحواذ على عقول المجتمعات البشرية المختلفة، خاصة فى ضوء محورية دور الدين فى مختلف تلك المجتمعات وبشكل أكثر خصوصية محورية الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية.

باختصار وكما يمكن للقارئ أن ينتهى بعد قراءة الكتاب، فإن الجماعة اليهودية لعبت منذ الأعوام الأولى للسينما دورا أسآسيا فى تطور هذه الصناعة وكان ممثلوها أساسيين فى كل فروعها. لا ينطلق هذا التفكير، كما قد يتصور البعض، من فكرة المؤامرة وإنما يقوم على حقائق ووقائع عديدة تعرض لها أبو الضياء بشكل تفصيلى على مدار صفحات الكتاب.

وكما تشير المؤلفة فقد تم استخدام القصص الدينية المأخوذة من الكتاب المقدس وتفسيرها بما يخدم الأهداف الصهيونية وتسخير التاريخ وتزييفه وتوظيفه لصالح الشعب المختار لتأكيد مفاهيم عدة تخدم استراتيجيتها. من ذلك تناول تلك السينما لقصة سيدنا سليمان لتشكيل رؤية المشاهد بشكل يخدم الموقف الإسرائيلى فى إطار الصراع الجارى بالمنطقة. كما يتجلى الدور الصهيونى الذى يلعبه اللوبى الإسرائيلى فى هوليوود، حسبما يشير الكتاب، فى الأعمال التى اقتربت من حياة سيدنا إبراهيم وموسى ويوسف ليتم التأكيد من خلالها أن النبوة لم تنتقل من إبراهيم إلا لابنه سيدنا اسحق عليه السلام، وليس إسماعيل، والذى لم تحظ سيرته بالإشارة الواجبة فى الدراما فى ضوء أن اليهودية والمسيحية لا تعترف بنبوته.

لا تقتصر المشكلة عند هذا الحد وإنما تمتد إلى تقديم الأنبياء فى صورة تنال منهم ومن صورتهم ومن ذلك ما قدمته السينما بشأن موسى عليه السلام فى أحد الأفلام إلى حد المبالغة فى مشاهد القتل والقسوة التى تعامل بها موسى مع أسرى إحدى معاركه حينما سأله شقيقه هارون عما سيفعلون مع الأسرى فيجيبه: اقتلهم جميعا انها مشيئة الله؟.

وعلى استحياء تشير أبو الضياء إلى أن السينما الإيرانية، ربما على خلفية اختلاف المذهب عن العالم السنى، تكاد أن تكون سحبت منا البساط فى هذا المجال بما قدمته من أعمال متنوعة متميزة كسرت بها احتكار السينما العالمية لهذا النوع من الأعمال وساهمت بشكل كبير فى تقديم صورة إيجابية مضادة للتأثيرات السلبية للأعمال الأخرى الغربية.

الكتاب مليء بأمثلة عديدة وتفاصيل شاملة عن موضوعه حتى يمكن القول بأنه أقرب إلى المسح الشامل لكل الأفلام التى تطرقت لقصص الأنبياء وهو جهد تحسد المؤلفة على القيام به، وقد تم تقسيم الموضوعات بشكل جيد أقرب إلى تسلسل مسيرة قصص الأنبياء غير أنه ربما لفرادته وجدة موضوعه انتهى الأمر بالمؤلفة إلى الغوص فى الكثير من تفاصيل القصص الدينى البعيدة عن موضع التناول فى الأفلام التى تعرض لها ما أدى إلى تضخم حجم الكتاب دون المبررات الكافية. وربما لهذا يفرض الأمر القول بأنه مع كل التقدير للجهد الكبير فى اعداد مادة الكتاب، فإن الأمر قد يتطلب إصدار طبعة ثانية من الكتاب تكون أكثر إحكاما وخلوا من بعض الحشو. وإن كان يكفى أبو الضياء فخرا جرأتها ودأبها على الإقدام على مثل هذا العمل الذى يعتبر عملا جسورا بكل المعانى.

[email protected]