رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤى

 

 

هذه القضية تفجرت قبل ما يقرب من مائة سنة، كان سعد زغلول باشا ورفاقه فى فرنسا يحضرون مؤتمر الحريات بالعاصمة باريس، الحكومة البريطانية أحبطت كل محاولات الوفد المصرى ورفضت الجلاء عن مصر، ووصل الأمر إلى إعلانها فرض الحماية على مصر، وأرسلت لجنة تتقصى سبب قيام الثورة فى الشوارع (ثورة 1919)، لماذا شارك الفلاحون والعمال والموظفون والطلبة والدهماء؟

اللجنة عرفت باسم رئيسها اللورد ملنر (فى شهر فبراير سنة 1919)، وحسب رواية عبدالرحمن الرافعى، وهو أحد قيادات الثورة ومؤرخيها، ذكر فى كتابه (ثورة 1919) أن محمد سعيد باشا رئيس الوزراء آنذاك احتج على ايفاد اللجنة، وتقدم باستقالته إلى السلطان أحمد فؤاد الأول (1868ـــ 1936) فى يوم السبت 15 نوفمبر 1919، وقرر السلطان بعد استشارة اللورد اللنبى، المندوب السامى للاحتلال الانجليزي، قبول الاستقالة.

عرضت الوزارة، حسب رواية د. عبدالخالق لاشين فى كتابه سعد زغلول وثورة 19، على أحمد مظلوم باشا رئيس الجمعية التشريعية آنذاك، ورفض الاستجابة لطلب السلطان، فأوعز اللنبى للسلطان بتكليف يوسف وهبة باشا القبطي بتشكيلها، منها الخروج من الأزمة، ومنها زرع الفتنة بين المسلمين والأقباط وضرب الحركة الوطنية، قبل إعلان عن الوزارة تسربت الأخبار، واكتشف قيادات الثورة أنهم فى مأزق كبير، ماذا سيفعلون وهو قبطى؟ هل سيبلعون الطعم ويجرون البلاد إلى فتنة طائفية؟

الأقباط استشعروا الحرج من قبول وهبة الوزارة، لأن هذا، على حد رواية فخرى عبدالنور فى (مذكراته)، يعد مكيدة من الإنجليز، هدفها إظهار عدم تضامن الأقباط مع المسلمين فى المطالب الوطنية، للخروج من الأزمة بادر بعض قادة الأقباط بالاتصال بيوسف وهبة باشا ونصحوه برفض الوزارة، وأمام عناده، حسب رواية عبدالرحمن فهمى فى (مذكراته)، حشدوا الأقباط فى الكنيسة المرقسية الكبرى صبيحة اليوم الذى صدر فيه المرسوم السلطاني، وتظاهروا وأعلنوا عن رفضهم لقبول وهبة باشا الوزارة، واستقبال لجنة ملنر.

حضر الاجتماع أكثر من ألفي قبطي امتلأت بهم مقاعد الكاتدرائية ومماشيها، ورأس الاجتماع القمص باسليوس وكيل البطريركية، وافتتح الآباء القسس الاجتماع بصلاة شكر، وكان على حد وصف عبدالرحمن فهمى فى مذكراته شمامسة الكنيسة يقفون بملابسهم الرسمية يحملون الشموع، وشاركوا الآباء القسوس بترنيم بعض الأناشيد الدينية، ونهض القمص سلامة منصور رئيس المجلس الملي بالقاهرة وبارك الحضور ثم دعا الخطباء، وتقدم توفيق أفندي حبيب محرر جريدة الأخبار وألقى الكلمة التالية:

« أيها الإخوة فى هذا المكان الذى وصفه السيد المسيح بقوله: «بيتى بيت الصلاة يدعى»، نقف نحن المصريين لا فرق بين مسلم ومسيحي، لنكرر امام المذبح المقدس عهد التضامن والأخلاء، ينادى القبطي أخاه المسلم بأنه شريكه فى السراء والضراء، لا تفصم عرى اتفاقهما خيانة فرد أو جماعة ... ليس لنا محكمة عسكرية تحكم على الخائن إلا محكمة الرأي العام، فليعلن هذا الجمع براءته ممن سلم مفتاح الحصن، وليعلن بلسان خطبائه أن المصريين كلهم يد واحدة ينشدون الحق وللحق قوة لا تصرع مهما بذل فى إخماد نوره».

ثم قام الشماس فرج أفندي جرجس وشرح الغرض من هذا الاجتماع الوطنى، وأسهب فى بيان تضامن العنصرين، ثم تكلم القمص حنا إلياس قسيس كنيسة العذراء، وتكلم توفيق أفندي عزوز واقترح أن يقوم كل فرد بواجب فى الاحتجاج على تشكيل الوزارة، وتحدث لويس أفندي أخنوخ فانوس قائلا: يحسن بنا ونحن فى بيت الله أن نرجع إلى كتابه المقدس ونعرف ما يعلمنا فى مثل هذا الموقف العصيب، وقرأ من انجيل متى (اصحاح 18) الآيات التالية: «وإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكم، إن سمع منك فقد ربحت آخاك، وان لم يسمع منهم فقل للكنيسة، وان لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثنى والعشار»، ثم قال: لا مسلم ولا قبطى بل كلنا مصريون»، وخطب من بعده كامل أفندى جرجس عبدالشهيد بالنيابة عن الطلبة وختم كلامه بقوله: «الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا».

وبعد خطبة القمس مرقس سرجيوس، حرروا تلغرافا أرسلوه لوهبة باشا، بتوقيع القمص باسليوس وكيل البطريركية، جاء فيه: «الطائفة القبطية المجتمع منها ما يربو على الألفين فى الكنيسة الكبرى، تحتج بشدة على إشاعة قبولكم الوزارة، إذ هو قبول للحماية ولمناقشة لجنة ملنر، وهذا يخالف ما اجتمعت عليه الأمة المصرية من طلب الاستقلال التام ومقاطعة اللجنة، فنستحلفكم بالوطن المقدس وبذكرى أجدادنا العظام أن تمتنعوا عن قبول هذا المنصب الشائن».

ثم حرروا بيانا احتجوا فيه على قبوله الوزارة وقعوا عليه جميعا، قالوا فيه: «علمنا أن صاحب المعالى يوسف وهبة باشا قد قبل فى الظروف القاسية العصيبة التى تجتازها الأمة، ان يقوم بتشكيل الوزارة بعد البلاغ الرسمى الأخير الذى تضمن تمسك الإنجليز بالحماية على مصر.. وحيث إنه يخشى أن يعتبر الإنجليز قبول الرجل لهذا المنصب بمثابة رضاء أقباط مصر أو فريق منهم عن وزاراته أو عن سياسة هذه الوزارة.. وحيث إن وهبة باشا لم يمثل فى وقت من الأوقات أماني الأقباط، ولم يشترك معهم فى شعورهم القومى والسعى إليها يدا واحدة وقلبا واحدا.. وحيث انه لا فرق بين مسلم وقبطى بل إن المصريين كلهم شخص واحد، ولكن الأقباط يرون أنفسهم مضطرين إلى أن يتقدموا بصفتهم أقباطا لإظهار شعورهم حيال هذا الحادث، لذلك هم يعلنون براءتهم من كل رجل أو هيئة تقبل الحماية أو تساعد على تعضيدها، ولكل هذه الأسباب يعلن الموقعون على هذا اشتراكهم مع سائر طبقات الأمة المصرية فى الاحتجاج على تشكيل الوزارة الجديدة.».

وقد اختلفت بعض الكتابات أيامها فى الصحافة حول القبول والرفض، وتبنت الصحف التابعة لحزب الوفد والحزب الوطنى فكرة عدم قبوله المنصب حسب تسجيل رمزي ميخائيل فى كتابه (الصحافة المصرية وثورة 19)، كما رفضوا فكرة استقبال لجنة ملنر والتفاوض معها، بينما أعلنت الصحف التابعة للقصر والاحتلال ترحيبها بلجنة ملنر وبتولى وهبة باشا الوزارة، كل هذا لم يثنِ وهبة باشا، وشكل وزارته من الوزارة السابقة، واستقبل لجنة ملنر.