رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

كم أسعدنى الصديق العزيز د. عبد الحميد مدكور الأسبوع الماضى باهدائى نسخة من كتاب أستاذى الراحل د. يحيى هويدى(توفى 2014م ) «البيان فى القرآن» الذى تركه مخطوطا ليعكف عليه ويقدم له ويحققه وينشره د. مدكور. وقد كنا نحن تلاميذ الراحل العظيم نتوق لمعرفة مافى هذا الكتاب المخطوط الذى أخذ كل اهتمامه فى السنوات الأخيرة من حياته لدرجة أنه اعتزلنا واعتزل الحياة العامة واكتفى بالحياة وحيدا فى منزله فى جو روحانى كنا نشعر به لكن لا أحد يجرؤ على قطع خلوته ولا السؤال عما يكتب ؛ فقد كان د. هويدى قامة سامقة شامخة وخاصة لدى جيلنا الذى يعرف القيمة الحقيقية له من خلال حضور دروسه ومحاضراته. وكم كان حظى سعيدا بالتتلمذ على يديه من بداية حياتى الجامعية من محاضراته فى الفرقة الأولى عام وكانت فى « الفلسفة العامة « إلى محاضراته فى الفرقة الرابعة وكانت فى « الميتافيزيقا «، فقد كان لهذه المحاضرات مذاقا خاصا حيث كان رحمه الله من الأساتذة القلائل التى تشعرك بأهمية فعل التفلسف وكيفية ممارسة التفلسف ؛ فهو لم يكن يعرض تاريخا للفلسفة ولايحدثنا عن الفلاسفة ومذاهبهم بقدر ماكان يتخذهم مناسبة لعرض أفكاره وفلسفته هو وأساسا لبيان رؤيته الخاصة فى الحياة وفى الوجود.

وأذكر أنه كان يلمح فى هذه المحاضرات إلى مصطلح الفلسفة القرآنية وأن للدين الإسلامى نفسه فلسفة لاتتضح إلا بالقراءة المتعمقة للقرآن والسنة النبوية المشرفة، وأن هذه الفلسفة تختلف عما نجده لدى فلاسفة الإسلام المعروفين فى ميادينها المختلفة من علم الكلام والفلسفة والتصوف. وكنت حينئذ أعجب من هذه التلميحات لأن د. هويدى كان فى تلك السنوات من أواخر الستينيات حتى منتصف السبعينيات محسوبا على التيار الاشتراكى العربى وكان البعض يعتبره من فلاسفة الثورة الناصرية حيث كتب « الفلسفة فى الميثاق « و» حياد فلسفى « معبرا عن فلسفة ثورة 23 يوليو ورؤيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 وأذكر من مواقفه التى لاتنسى وكان حينئذ وكيلا ثم عميدا لكلية الآداب وفى ظل ما أطلقه الرئيس السادات وسماه ثورة التصحيح التى أطاحت برجال الحقبة الناصرية وكان منهم شقيقه أمين هويدى أنه سمح لنا كاتحاد طلاب كلية الآداب بإقامة أسبوع ثقافى متكامل استضفنا فيه شخصيات وأفلاما وأجرينا فيه حوارات ونقاشات حول الوضع السياسى و التردد فى أخذ قرار الحرب لمحو آأثار هزيمة 1967 م وكان هذا الأسبوع الثقافى سببا من أسباب اشتعال مظاهرات الطلاب التى طالبت القيادة السياسية باتخاذ قرار المعركة ضد إسرائيل فى مطلع السبعينيات !!

لقد كانت هذه صورة د. هويدى كفيلسوف وأستاذ وادارى لكلية الآداب آنذاك، ومع ذلك كانت تلك تلميحاته فى محاضراته وخاصة فى مقرر الميتافيزيقا عن الفلسفة القرآنية، تلك التلميحات التى كانت تنتظر الفرصة لتتبلور فى رؤية جديدة متكاملة وجدها فيلسوفنا - بعد سنوات عانى فيها الكثير من الأحداث والظروف غير المواتية - فى خلوته التى أشرنا اليها سابقا والتى كثيرا ماكنا نسأله - خلال أيام عزلته هذه - عما يشغله فيها فيقول : إننى مشغول بالقرآن وبكرامة الانسان وكيف يمكن للانسان الفرد أن يعيش حياته متمتعا بحريته وبكرامته بحق ؟، كيف للانسان أن يعيش دون خوف ولاتطارده خفافيش الظلام ؟. كيف يعيش الانسان فى وطننا العربى وعالمنا الإسلامى حرا فى حركته قادرا على الابداع بعيدا عن حياة التهديد والارهاب من أخيه وشريكه فى الوطن وخاصة بعد أن نجحت دولنا فى التخلص من تهديد المستعمرين والمحتلين الأجانب ؟! كيف للحضارة العالمية أن تستفيد من البيان القرآنى فى بناء حضارة جديدة للانسان ؟!

 لقد كان بعضنا يظن آنذاك أن الدكتور هويدى يعانى من أعراض العزلة وأنه قد تأثر ببعض التهويمات والضغوط السياسية عليه فى عصر مبارك !! لكن الحقيقة أنه كان بالفعل قد انتهى من كثرة معايشته للقرآن وعكوفه على تأملاته فيه إلى رؤية جديدة للبيان القرآنى تحقق للانسان هذه الكرامة وتلك الحرية وذلك الابداع. فماهى معالم تلك الرؤية فى فلسفة هويدى القرآنية أوالمستمدة من البيان القرآنى ؟! ذلك هو موضوع مقالنا القادم إن شاء الله.

[email protected]