رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

نداء القلم

 

 

 

لجهود المُخلصين آثار وأعمال لا يخطئها النظر العابر، ولهم بذلك سمات تبيّن لهم أمام الناس جهودهم فى مسار حياة دالة على الجهاد فى سبيل المبدأ الذى يدينون له بالولاء، وهو عين الإخلاص. ولا شك أن هنالك صلة نفسية غائرة تصل الطارقُ بالتليد بين روّاد تقدّموا فينا وأبناء وأحفاد حملوا الراية فيما بعد، ومضوا على نفس الطريق غير أنهم أضافوا ما عنّ لهم من إضافات جدّدت الوعى وعزمت على استمرار المسيرة. ولن تقوم تلك الصلة قويّة ناهضة ما لم يتجدّد الوعى بالكتابة فيها على وفاق أيديولوجى أو روحي؛ سيّان.

حقيقةً؛ أنت لا تستطيع أن تكتب عن أحد وبينك وبينه قطيعة معرفية أو خُلقية (خصومة مثلًا أو كراهة)، ولكن شرط الكتابة هنا هو الوفاق المعرفى والتعاطف الوجدانى والخُلقى. باعتقادي؛ أن جهود الدكتور أحمد محمود الجزار كشفت عن هذا الجانب فى أحدث وأضخم كتبه فيما صدر حديثًا هذا العام عن دار كنز ناشرون اللبنانية فى (٣٥٢) صفحة تناولت موقفه أولًا من التصوف فى ضوء محك منهجى، ثم موقف رواد الفكر المصرى المعاصر من التصوف على التخصيص.

أقول؛ يكشف هذا الكتاب عن تعاطف له مغزى ودلالة إزاء ما مرّ بالتفكير الصوفى من منحنيات عرجت به فى آفاق عليا قلّ أن يستوعبها إلا من دقق وفحص وصبر على الفحص والتدقيق؛ ففضلًا عن دراسات أسهمت بنظرات تجديدية ظاهرة كالدلالات الروحيّة والخلقيّة للعبادات عند صوفية الإسلام، والتصوف وعلم الكلام عند عبد القادر الجزائرى، هنالك فصول متعاقبة تناولت الإمام محمد عبده، ومصطفى عبد الرازق، والتفتازانى، وأحمد صبحى، وأبرزت توجّهاتهم المعرفيّة ومواقفهم من التصوف والصوفية، وموقف الدكتور أحمد الجزار منهم فى منهجية تميز بها وتوخّاها على الدوام فى بحوثه ودراساته، وربما أشكلت أو فقدت من دراسات آخرين ممّن تناولوا التصوف كنظرات عابرة تخلو أو تكاد من تلك المنهجية التى تميزت بها كتابات مفكرنا الجزار فى مجال الفلسفة والتصوف وعلم الكلام.

ثم أشادت بالمقرر الثابت الراسخ بمقتضى القيم الدينية فى الإسلام، ونقدت على الوجاهة ما عدا ذلك من قيم سلبية يتصرّف فيها الأغيار، ولا تمت للإسلام بنسب أو صلة.

فالتصوف داخل إطار الإسلام مرهونٌ بمنهج ومحك حتى إذا خرج عن هذا المحك المنهجى خرج عن الإسلام، ولم تقم بينه وبين الإسلام صلة، وهذا يدعو إلى إعمال النقد المشروع وقبول ما يمكن قبوله ممّا يوافق، ورفض ما يمكن رفضه ممّا يخالف، ولا ضير من بعدٌ على النقد لأنه تظهير ذاتى كان اتخذه المتصوفة منهجًا لأنفسهم قبل أن يسوقه إليهم خصومهم، إذ كان طريقهم على الدوام لسان صدق.

ناهيك عن تسليط الضوء خلال رواد الفكر المصرى على أبرز قضايا التصوف؛ ليكشف عنها الغطاء فى ذاتها أولًا، ثم ليمحصها تمحيصًا نقديًا كيما يتبين موقف هؤلاء الرواد منها مثل الفصل الأخير الذى تناول فيه الشريعة والحقيقة، والولاية، والمعرفة، والفناء والشطحات، ووحدة الوجود، ووحدة الأديان، والطرق الصوفية، ومفاهيم الجهاد لديهم، الأمر الذى ختم به فصول كتابه الستة بمقدار ما أفاض الحديث حول ماهية التصوف والتجربة الصوفيّة. للدكتور الجزار منهجية رائدة أكتسبها عبر سنين طويلة من ممارسة العمل العقلى والتعامل بإخلاص مع قضايا الذوق الروحى ومشكلات الحياة الروحية فى الإسلام، فليس من غريب أن يجيء هذا الكتاب إضافة حقيقية متميزة فى إطار منهجية الدّرس الصوفى على وجه الخصوص.