رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤية

لاشك أن انتشار النكتة بشكلها المتعارف عليه بمجتمعنا ظل يعتمد بعض الأبعاد والمضامين الاجتماعية والثقافية التى ينبغى التوقف عندها بالدراسة والتقييم، وقد نتذكر فى هذا السياق مقولة «هنرى برجسون»: «لا مضحك إلا ما هو إنسانى، والنكتة هى محاولة قهر القهر.. وهتاف الصامتين.. إنها نزهة فى المقهور والمكبوت والمسكوت عنه».

وتُعد الأشكال الرمزية فى المخزون الثقافى المجتمعى (وفى القلب منه النكتة) إحدى الركائز لفهم المجتمعات والجماعات الإنسانية، فمن جهة يمكن اعتبارها مرآة صادقة لما تحمله من قيم ومعتقدات وممارسات وتصرفات.. ومن جهة أخرى تكشف، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عن الجوانب الخفية للمجتمع سواء كانت فى شكل مواقف أو تطلعات أو رغبات مكبوتة.. وذلك لتوفير التلقائية والدلالية للتعابير والرموز الثقافية لارتباطها بالواقع الاجتماعى والمعيش اليومى..

عشرات النكت تُبتكر يوميًا على الألسنة، تتناثر على المسامع بأشكالها المختلفة وتتناول الواقع الصعب بكامله، والأحداث والوقائع والأشخاص أيضاً اسمًا ومسمى. لا يمكنك أن تكون فى مكان دون أن يباغتك أحد معارفك بنكتة لم تسمعها من قبل، فلكل مقام مقال، والنكتة دائمة الحضور..

أسأل نفسى أحياناً: هل ما نتابعه على صفحات وشبكات التواصل الاجتماعى فى مجال السخرية السياسية والاجتماعية.. يمثل فى النهاية التطور الطبيعى للنكتة والقفشة والدعابة السياسية التى كان لها فى الماضى القريب أسطوات حريفة.. يدركون طعم اللعبة الحلوة، ويعلمون مقدار التأثير، وكان منهم من يبيع القفشة الحراقة والنكتة السخنة لكُتاب الدراما السينمائية والمسرحية والتليفزيونية وكُتاب الغنوة الشعبية؟

ما نشاهده من نكات مرسومة أو مكتوبة أو حتى مقاطع الفيديو المعدة بشكل ساخر على صفحات التواصل يمثل القليل منه بفعل التطور المنطقى للتراث الكوميدى المصرى، ولكن ــ للأسف ــ أغلب ما نتابعه يتسم بالمباشرة والخطابية وأحياناً بالفجاجة والترخص، وأحيان أخرى بالتفاهة وقبح اللفظ والرسم والافتقاد للحس الكوميدى والشعبى المؤثر، وقد يكون من أسباب ذلك وجود فراغ نشأ من تراجع الممارسات الشعبية للألعاب والأعمال ذات الطابع السياسى، وقد يكون بسبب إتاحة تلك الوسائط الإلكترونية مساحات مطلقة بلا حسابات أو موازنات لممارسة حريات مختلفة، وساعد على انتشار تلك الافتكاسات ثقيلة الظل والمثيرة للقلاقل والفتن أيضاً السماح بفتح حسابات بأسماء وهمية، فيمارس البعض من خلالها الكذب والدجل وإثارة الشائعات والانصياع فى بعض الأحيان لجهات تحركهم وتمول ألعابهم الإلكترونية.

تُعد النكات ـ بصورة عامة ـ ظاهرة إنسانية تمثل رد فعل منطقيا لشعوب قادرة على التفاعل مع ظروف مجتمعاتها، حيث ملامسة الواقع والأمور الحياتية فى كل جوانبها، دون محظورات ولا بروتوكلات محددة للأشكال والأبعاد.

والنكتة فى النهاية تُعد من المؤشرات الدالة على ثقافة أمة عبر الاقتراب من عادات وتقاليد البشر فيها.. يُميزها أنها صادرة بدون وسطاء من قاع المجتمع مباشرة إلى كل الدنيا بسرعة انتشار، وأحياناً تكون قابلة للتوسع والإضافات، فضلًا عن كونها وسيلة من وسائل الضحك والهزل والترفيه عن النفس، ما جعلها قريبة من عقول ووجدان الناس.

[email protected]