رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صواريخ

 

 

 

الإبداع الفكرى والأدبى والفنى من أسس تقدم المجتمعات وحداثتها وتحضرها، ومصر كانت دومًا على رأس الدول المدنية المؤمنة بحرية الفكر والإبداع، ومع ذلك لم تفقد بوصلتها الراسخة لقيم المجتمع السوية.

لاشك أن مصر قادت حركة التنوير فى المنطقة العربية ومحيطها الأفريقى قبل أكثر من قرن، على يد نخبة من المبدعين فى مجالات الفكر والثقافة والآداب والفنون، وهو ما جعلها دولة رائدة ومن أوائل دول العالم فى الإنتاج السينمائى وسميت القاهرة بهليود الشرق بعد أن أبدعت فى هذا المجال، وشكلت الدراما بشتى أنواعها وجدان الشعب المصرى والشعوب العربية التى كانت تنتظر الأعمال الدرامية بشغف، وأتذكر اننى قبل أكثر من عشرين عامًا كنت فى زيارة تونس الشقيقة ضمن وفد صحفى مرافق للمرحوم كمال الجنزورى رئيس الوزراء، وأثناء مرورى بشارع الحبيب بورقيبة أكبر شوارع العاصمة التونسية، فوجئت بتجمع بشرى كبير جدًا، وقوات أمن مكثفة، واعتقدت أنها مظاهرة سياسية، وسألت أحد الأشقاء التوانسة عن شارع بديل أسلكه، فابتسم وقال إنها مظاهرة فى حب عادل وأن الإقبال على فيلم جديد له، وهى سمة كانت تنالها الأفلام والدراما المصرية بشكل عام فى كل الدول العربية.

هذه الدراما التى أبدعها نخبة من الأدباء والفنانين والمخرجين هى التى شكلت جزءا هاما من قوة مصر الناعمة، وكانت سببًا فى التقارب والتلاحم العربى، وجعلت من مصر قبلة للفنانين العرب باعتبار أن القاهرة كانت منارة الشرق، وهو أيضاً ما جعل من مصر الوطن الثانى لأبناء الدول العربية من المحيط إلى الخليج، ولأسباب كثيرة ومتعددة تراجعت مصر فى هذا المجال، وأصبحت هدفًا استراتيجيًا للغزو الثقافى الخارجى، وانتشرت ثقافات جديدة وغريبة على المجتمع المصرى، وكانت سببًا فى التشدد والغلو الدينى الذى أنتج تطرفًا وإرهابا فى فترة التسعينيات، دفعت مصر ثمنه غاليًا من خيرة شبابها وأيضاً من اقتصادها.. كما كانت هناك هجمة ثقافية مقابلة من الغرب لنشر ثقافة الشذوذ والانحلال فى المجتمع المصرى، ومازالت مصر تدفع الثمن جراء التصدى للصراع الثقافى الذى يندرج بعضه تحت شعارات حقوق الإنسان ،مثل قضايا الإعدام وغيرها من القضايا التى يلفظها المجتمع المصرى، وسادت فى السنوات الماضية، وباتت تشكل مظاهر سلبية يعانى منها المجتمع، وللأسف كان بعضها بسبب أعمال درامية سيئة وغزو ثقافى خارجى.

إن الجدل الذى صاحب فيلم - أصحاب ولا أعز - على وسائل التواصل الاجتماعى التى تعد إحدى وسائل قياس الرأى العام، والذى اعتبره الأغلبية خروجًا عن القيم والتقاليد والأخلاق المصرية، وقابله ردود من الوسط الفنى باعتباره نوعًا من الإبداع والحرية، يشير إلى أننا فعلا فى أزمة، خاصة وأن بيان نقابة المهن التمثيلية قد سطرت فقرة فى بيانها لم تتسق مع الواقع عندما قالت إن النقابة تحرص على القيم الأصيلة للمجتمع المصرى وأن دور الفنون معالجة القضايا الشائكة ودق ناقوس الخطر لظواهر يجب أن يتصدى لها فنانو ومبدعو مصر.. والحقيقة أن الفارق شاسع وكبير بين هذا الهدف السامى والواقع الذى نرى فيه طرح قضايا على أنها موجودة وطبيعية مما يرسخها فى عقول البعض من محدودى الثقافة وتتحول إلى ظاهرة لإفساد المجتمع، وليس أدل على ذلك من مساهمة الأعمال الدرامية فى إحدى صور البلطجة وانتشارها بين الشباب تأثرًا بممثل أدى هذه الأدوار وكانت نكبة على المجتمع والشباب.. إننا مع حرية الفكر والإبداع الذى يضيف للمجتمع ويساهم فى بناء وزيادة الوعى وتحضر الأمة ونهضتها واستقرارها، وليس أدل على ذلك من أن مصر فى حقبتها الليبرالية فى النصف الأول من القرن الماضى كانت فى ذروة تحضرها وإبداعها الفنى والثقافى والأدبى وتنافس باريس ولندن فى هذه المجالات ومع ذلك احتفظ الشعب المصرى بقيمه الراسخة.

حمى الله مصر

نائب رئيس الوفد