رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

هذا ليس توصيفى لا سمح الله وإنما تقريبا توصيف الكاتب السورى هاشم صالح نقلا عن المفكر الجزائرى الراحل محمد أركون، حيث ساق لنا الأمر وكأنه اكتشاف فى مقال له بعنوان «أركون يحطم أسطورة ابن خلدون» وفيه ينقل عن أركون جملة له وردت فى أحد كتبه ينتقد فيه إيمان ابن خلدون بفكرة الجهاد وإدخال الناس فى الاعتقاد طوعًا أو كرهًا.

فى إطار سجال فكرى فإن هذا النقاش وارد ويمكن أن يطرح للبحث إما أن يحاول صالح اختزال ابن خلدون فى هذا الجانب ونزع كل صفة إيجابية ومسح تاريخه بـ«أستيكة» أو بـ«محاية» كما يقول أهل بلده من الشوام فهذا هو التطرف الفكرى بعينه الذى يدعي صالح أنه يحاربه. لست من أنصار ابن خلدون أو معارضيه وإنما من أصحاب النظرة الموضوعية لرموزنا التاريخية. وقد كتبت من قبل مقالا أشير فيه إلى بعض المؤاخذات على شخصية ابن خلدون.

مشكلة هاشم صالح أنه يصر على أن يعيش فى جلباب محمد أركون، صحيح انك يمكن أن تعتبر ذلك نوعًا من الوفاء، ولكنه ليس وفاءً تامًّا وإنما الوفاء المقترن بالمزيد من الشهرة والاستكتاب من قبل من يروق لهم فكر أركون وهى جهات كثيرة، وليس فى ذلك إدانة لفكر أركون أو تأييد له، فذلك ليس محله سطور كتلك. لقد كان أركون هو الذى فتح كل الأبواب أمام صالح على وقع ترجمة الأخير لكل كتبه تقريبا أو الأكثر تأثيرًا باستثناء أخرى قليلة، كما كان صالح، والحق يقال البوابة الملكية لدخول إنتاج أركون إلى المطابع العربية كما يعترف أركون بنفسه فى ثنايا مقدمات كتبه.

بعد إنتاج ابن خلدون والذى قتل بحثًا يقول صالح إنه ليس مؤسسًا لعلم الاجتماع ولا لفلسفة التاريخ وأنه على المستوى الاعتقادى ظل أصوليًّا انغلاقيًّا، بل ومعاديًا للفلسفة بشكل قاطع. وقد عبر عن ذلك بكل وضوح - والكلام نقلا عن صالح - عندما خصص فى «المقدمة» الشهيرة فصلًا كاملًا بعنوان: «فى إبطال الفلسفة وفساد منتحلها»! وفيه يقول إن الفارابى وابن سينا كانا ممن «أضلهم الله» لأنهما اتبعا فلاسفة اليونان. هذه وجهة نظر وقد تكون مقبولة وإن كانت مغالى فيها، وفى الفكر الغربى، الذى يميل إليه صالح، هناك ما هو أشد فقد «بهدل» كارل بوبر أفلاطون وأرسطو وخاصة أفلاطون فى كتابه «المجتمع المفتوح وأعداؤه» ولكنه لم ينكر ريادتهما.

المشكلة هى محاولة صالح والرؤية التى يمثلها - فكر أركون حيث يتبعه حذو النعل بالنعل - خنق تيار فكرى فى مسار تاريخنا الإسلامى لا يساير الخط الفكرى الذى يتوافق معهم. ولأن صالح يمارس التقية على غرار أركون فإن الرجل يرفع راية أن كلام ابن خلدون «ليس أهم من القرآن؟ الكلام الإلهى يعلو ولا يُعلى عليه» رغم أن كل انتقادات أستاذه للإسلام فى تطبيقاته التاريخية تنصب على النيل من القرآن دون قول ذلك صراحة. السؤال: ماذا لو كان ابن خلدون ينطلق فى موقفه الذى يأخذه عليه أركون من القرآن والسنة؟ إن الجهاد ومحاولة دعوة البشر إلى الإسلام جزء من بنية الدين نفسه بنص القرآن والسنة. وكنت قد أشرت من قبل فى مقال لى إلى أن ذلك ربما كان سبب المواجهات التاريخية بين الإسلام والمسيحية باعتبار أن الديانتين دعويتين بالمصطلح الإسلامى وتبشيريتين بالمصطلح المسيحى.

المشكلة الأكبر فيما كتبه صالح ليست فى انتقاد ابن خلدون وربما يعد ذلك مجرد واجهة، وإنما فى أن الكاتب يحاول أن يدس لنا السم الأكبر فى السم الأصغر حين يحاول أن يسوق لنا الديانة الإبراهيمية متخذًا من النقاش حول الأديان فرصة للإشارة إلى أن كلمة «الديانة الإبراهيمية» ليست خاطئة، وإنما صحيحة تمامًا، بل وقرآنية، دون أن يعنى ذلك خلط الأديان بعضها بالبعض الآخر. عند هذا الحد اتضح المقصد وأن الأمر يتجاوز نقاش فكرى إلى هدف آخر تماما.. وهو ما قد يكون موضوعًا لمقال قادم إن شاء الله!

[email protected]