رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

نداء القلم

 

 

 

تبدأ مسألة الحرية عندى من التعليم ثم الثقافة؛ فلئن كان التعليم لا يخلو من حريّة وتحرر فهو كذلك، ومن أجل ذلك، لا يخلو من متابعة فاحصة لما عساه يعرض مطروحًا بفحص نزيه وموازنة حرة وثقافة عقلانية. وهذه المتابعة هى من الأهمية بمكان بحيث تجيء خطوة أوليّة فى طريق التحرّر، فلن يستطيع أحد أن يتحرر بغير متابعة ولا أن يبدع بدون أن يفك أغلال السيطرة التى تحجز خلفها قيود التقليد الموروث، وتعوق من أجل هذا حركة العقل فى الانطلاقة الحرة نحو الإبداع.

والفرق، فيما يُلاحظ، كبير جدًا بين التقليد والتعليم فما دمنا نعترف بأننا فى مسيس الحاجة إلى التعليم فى كل مرحلة من مراحل عمرنا، من المهد إلى اللحد؛ فلا شيء ينفعنا أكثر من متابعة نقدية لقادة الرأى المستنير فيما قالوه وتركوه وبيّنوا فيه أوجه الرؤى المختلفة إزاء ما كانوا يتصدون له ممّا يطرأ عليهم فى واقعات الحياة، والمتابعة تقتضى النقد ولا تقتضى التسليم، وتتطلب الفحص بمقدار ما تتطلب التمحيص.

وليس يكفى فيها التقليد الذى يتوخّاه المفلسون العاجزون عن المتابعة والنقد الأمين؛ فإذا رددنا النقد إلى ملكة عقلية واعية نبذنا من فورنا التقليد الذى يجرى عليه العاجزون مجراهم فى التعليم والثقافة والمتابعة سواء فيما يعرض لهم أو فيما يطرحونه من قضايا وآراء ومسائل، تحتاج إمعان النظر قبل الحكم عليها بالتهوين.

وبموجب الحرية وجبت فى التفرقة بين ما إلهى وما هو بشرى، أو بين المقدس وما لا يخضع للقداسة بحال. أعنى قد تهدى الخطابات البشرية إلى ما هو إلهى هداية دلالة لا هداية مَعونة، وقد يستشعر «المُتَلقي» فيها ما يمسُّ شعوره القلبى، ويعجب لذلك، ويملأ أحاسيسه روعة بالإيمان، ويعجب لذلك، ومع ذلك، فإذا هو افترض فيها القداسة خرج عن نطاق الإيمان ودخل من حيث لا يشعر فى دائرة الشرك، لم يتنبه إذْ ذَاك وهو فى حمية الشعور ودفقة العاطفة بوجوب التفرقة الحاسمة بين حق الله تعالى وهو (المُقدَّس)، وحق البشر وهو (الإعجاب) الذى لا يخضع للقداسة، ولا ينبغى أن يخضع لها بحال.

هنالك فرقٌ؛ وفرقٌ كبير، بين الاحترام والتقدير من جهة وبين التقديس الذى لا يحق لمخلوق أن يمنحه لأحد إلاّ للخالق عز وجل، من جهة ثانية. الاحترام أو التقدير قد يجيء بغير شك للعالم ولغير العالم من خلق الله، لأنه أدب يتحلى به المؤمن المتأدِّب بأدب الإسلام. أما التقديس؛ فهو ليس للأشخاص، ولا لمَا يَصْدُر عن الأشخاص من أفكار وتعابير أو رؤى واتجاهات، وإنما هو لله سبحانه وتعالى.

وإذن؛ فالمساحة التى تسمح بالاختلاف وبالنقد، وبالاستدراك من خلال إثارة محاور النقاش لمجموعة من القضايا لا يمنعها الاحترام ولا يحجبها التقدير للأشخاص، فأنا أحترمك، وأعزك، وأقدِّرك، بيد أنى لن أقدسك، لكننى أناقشك وأختلف معك، لأننى لا أؤمن بك إيمانًا مقدسًا، فهذا الإيمان المقدس إنما هو للخالق، لله وحده الواحد الأحد الذى منعنى بموجب هذا الإيمان نفسه أنْ أقدِّس غيره ممَّن خلق، وإلا أشركتُ به.

فلا قداسة من ثم َّإلا لله الواحد الأحد دونًا عن سواه. فهل يبقى– من بعدُ– أحد يحتكر لنفسه خطابًا ليعبّر عن «الحقيقة المطلقة»، فضلًا عن ادعاء تملكها ثم تجهيل غيره– إنْ لم يكن تكفيره!– إذا هو لم يأخذ برأيه فيها، ولم ينهج منهجه فى سبيلها، ناهيك عن تكفيره وخروجه بالمرة عن الملّة؟

والجواب: نعم! يبقى ما دامت هنالك غيبة فى العقول، وغلظة فى الأفهام، وكزازة فى الطباع، وبلادة فى المدارك، وظلمة فى التصورات، وغفلة فى الضمائر والقلوب.