رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

دون تهويل أو تهوين، فإن هذا الخبر الذى تناولته وكالات الأنباء مؤخرا يكشف عن جوهر ما كنا وآخرون أشرنا إليه بشأن الأزمة التى تواجه الإسلام فى واقعنا المعاصر والمتغير. يتعلق الخبر بإقالة إمام مسجد فى فرنسا لتلاوته آيات منافية لقيم الجمهورية أثناء خطبة بالمسجد. كنت قد كتبت منذ أكثر من ربع قرن عن ضرورة تعزيز جهود التأسيس لما يمكن وصفه بـ «فقه المغتربين» بما يساعد المسلمين فى الغرب أو البلاد غير المسلمة على الالتزام بتشريعات دينهم وفى الوقت ذاته التكيف مع الأوضاع التى لا تنطلق من جوانب إسلامية فى التطبيقات الحياتية. لست فى وضع يمكننى من الحكم إلى أين وصل هذا النوع من الفقه لكن الملاحظ أن الاشتباك الإسلامى مع قضايا الواقع يتسع يوما بعد يوم بحكم تزايد الوجود الإسلامى فى أرض المهجر، على نحو باتت معه دول معينة فى الغرب وعلى رأسها فرنسا تتحسب لوجود المسلمين بها وتسعى لفرض قيود تحد مما تراه تغييرا فى طبيعة قيمها وهوية مجتمعها.

لعله من هنا تأتى القضية محل التناول فى هذه السطور وهى رغم أنها قد تبدو قضية خلافية لكنها تطرح تساؤلات بشأن طبيعة الإسلام الذى يراد للمسلمين أن يلتزموا به فى الغرب. فى التفاصيل أن وزارة الداخلية الفرنسية قررت اقالة امام مسجد فى اقليم لوار وسط فرنسا بدعوى تلاوته آيات قرآنية خلال خطبة عيد الأضحى اعتبرتها منافية لقيم الجمهورية. الآيات المذكورة من سورة الأحزاب وتخاطب نساء النبى صلى الله عليه وسلم وربما تتركز فى الآية ٣٣ من السورة «وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي»، والتى ربما يفهم البعض من منطوقها، بعيدا عن التفسير الدقيق لها، أنها تدعو نساء النبى (ص) إلى التزام بيوتهن وعدم الخروج. بغض النظر عن فهمنا نحن، فمن الواضح أن من اتخذ قرار وزارة الداخلية الفرنسية بنى قراره على مثل هذا النظر، معتبرا أن هذه العبارات غير مقبولة وأنها ضد المساواة بين الجنسين.

وليصبح السؤال: هل يقوم الإمام أو الخطيب بالقراءة الانتقائية من القرآن حال قيامه بخطبته، وبما يتوافق مع قيم المجتمع الذى يعيش فيه؟ وما الذى يدريه بمثل هذه الآيات خاصة أن الآيات نفسها تخضع لتفسيرات متعددة، وفهم الآخر لمنطوق هذه الآيات كذلك يخضع لرؤى مغايرة؟ طبعا البعض سيدعو المسلمين أن يشعروا بالإمتنان لفرنسا أو غيرها على سماحها لهم بممارسة شعائر دينهم علنًا وهذا أمر آخر لا نريد التوسع فيه، وليس هو مناط التناول هنا.

المشكلة أن هذا ليس سوى مظهر من مظاهر أزمة تعايش المسلمين فى مجتمع غير مسلم، خاصة فى دولة كفرنسا التى من الواضح أنها تشعر بقلق بالغ من تزايد مظاهر الوجود الإسلامى على أراضيها على نحو يتناقض مع إيغالها فى العلمانية.

فقد جاء القرار السابق اثر آخر قرر فصل إمام مسجد بعد ان انتقد طريقة ارتداء بعض النساء المسلمات لملابسهن خلال خطبة فى مسجد قرب باريس وبدعوى حماية قيم الجمهورية أيضا.

لا يقتصر الأمر على ذلك وإنما امتد إلى قضية الحلال والحلام بشأن الطعام حيث قررت مدينة بيزيه جنوب فرنسا مثلا تعديل الوجبات التى تقدمها للمدارس الإبتدائية فى وقت الراحة المخصص للغذاء ليصبح لحم الخنزير هو اللحم الوحيد فى القائمة دون التفات إلى تحريم أكله على المسلمين.

وإذا كانت فرنسا حالة بارزة فى هذا الصدد الأمر الذى يعززه مساعيها للتضييق على المسلمين هناك، فإن المسلمين مطالبين بالبحث فى سبل العيش فى عالم مختلف، يسعى لفرض قيمه المعولمة عليهم حتى فى عقر دارهم.. الأمر الذى أحسب أننا ما زلنا – للأسف – غير مستعدين له!

[email protected]