رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

المبدع هو مَن يخطف روحك بكلماته، يأسرك، يُحدد حركتك، ويُجبرك أن تستمع له، وتقرأ ما كتب. لذا فإن الابداع كثيرا ما يقوم على المبالغات، وهى مبالغات مقبولة رغم ما فيها من جموح وتطرف لأن المتلقى يعرف يقينًا أنها مبالغات.

لكن المشكلة أن بعض مُتصيدى الأخطاء والمتربصين بالغير يستغلونها لوصم أصحابها بالمروق من الدين والكفر والعياذ بالله، فيسيئون بذلك للإبداع ويسيئون للدين.

 وأتذكر جيدا عندما رحل الشاعر الكبير نزار قبانى فى لندن فى أبريل 1998، وحاول بعض المتطرفين هناك منع إقامة الصلاة عليه بدعوى خروجه من الدين بسبب أشعاره. وخط أحدهم كتابا قبل عشرين عاما خصصه لإثبات كفر نزار قبانى مستشهدا بأبيات شعرية له منها مثلا الموجودة فى قصيدة «قارئة الفنجان» والتى يقول فيها « يا ولدى قد مات شهيدا/ مَن مات على دين المحبوب». وأعرف أن هذا البيت تحديدا تفاوض عبد الحليم حافظ مع نزار أياما طويلة حتى يغيره عندما يغنى القصيدة ليصبح « مَن مات فداء للمحبوب» حتى يتسق مع الثقافة العامة. كذلك فقد اعتبر البعض قول نزار فى رثاء جمال عبد الناصر « قتلناك يا آخر الأنبياء» نوعا من الكفر، ولم ينظروا إلى القصيدة كلها باعتبارها مجرد كلام بليغ.

ولاشك أن مبالغات الشعراء لها تاريخ طويل مع أهل التربص، فهذا أحمد شوقى أمير الشعراء نفسه، يتلقى لوما لأنه حاول تصوير محبته الشديدة للوطن وكأنها الجنة، فقال «وطنى لو شغلت بالخُلد عنه/ نازعتنى إليه فى الخُلد نفسى.» وهو نفسه القائل فى قصيدة رثاء مصطفى كامل «أو كان للذكر الحكيم بقية لم تأت بعد.. رُثيت فى القرآن.» وهذه القصيدة عارضها الشاعر هاشم الرفاعى بعد ذلك بنحو نصف قرن لكن فى ذم جمال عبد الناصر، فقال فى إحدى أبياتها « لو كان فى القرآن بقية لم تأت بعد/ للعنت يا فرعون فى القرآنِ».

ولقد سمعت مَن كفّروا الشاعر أمل دنقل لأنه كتب فى قصيدة «كلمات سبارتاكوس الأخيرة» على لسان الثائر الذى يطلب الحرية «المجد للشيطان معبود الرياح/ مَن قال لا فى وجه من قالوا نعم».

وحتى فى العصور الأولى لم يقبل بعض المتشددين من الشاعر حسان بن ثابت بيتين فى مدح النبى «ص» قال فيهما «وأحسن منك لم تر قط عيني/ وأجمل منك لم تلد النساءُ/ خلقت مبرءا من كل عيب/ كأنك قد خلقت كما تشاءُ».

وكل هذا فى تصورى قصور نظر، وسوء ظن بالمبدعين، لأننا نعرف أن الإبداع فى الأساس قائم على التخييل، وعلى التصوير، بل إن هناك عبارة رائجة، ومتفق عليها بأن « أعذب الشعر أكذبه». لكن الوصاية المعتادة على الحق، والدين، والأخلاق تدفع البعض إلى إشهار سيوف التخويف والتكفير والتخوين فى وجه كل مبدع.

إن الشاعر يكذب يقينا عندما يصف شخصًا يحبه أو يكرهه، يبالغ فعلا لأن الابداع يقوم على المبالغات، والجمال موصول بالمعانى الجديدة. وليس من حق أحد اجتزاء نص إبداعى وتفتيشه واستنطاق نوايا صاحبه، وجرجرة أصحابها إلى النار. ليس هذا خُلق حسن.

والله أعلم.

 

[email protected]