رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات

تحكى رواية يابانية عن أنه ذات مرة تحدى محارب ساموراى، أحد كهنة المعابد فى شرح مفهوم الجنة والنار، ولكن الراهب أجابه فى ازدراء قائلا: «ما أنت إلا حثالة وأنا لا أستطيع أن أهدر وقتى مع أمثالك»! وبعد أن شعر المحارب بأنه طُعن فى شرفه، ثارت ثائرته واستل سيفه وصاح قائلا: «أستطيع أن أقتلك على هذا التطاول». قال الراهب فى هدوء: «هذه هى النار». أخذ المحارب يحدق فيه فى ذهول أمام صدق وصفه لحقيقة الثورة التى انتابته، فهدأ المحارب وأغمد سيفه وحيا الراهب شاكرا إياه على هذه التبصرة. قال الراهب: «وهذه هى الجنة».

والخلاصة هى كما قالها دانيال جولمان فى كتابه الذكاء العاطفي: إن هذه الصحوة التى نبهت المحارب لحقيقة الثورة التى انتابته تلقى الضوء على الفرق المهم بين استحواذ مشاعر معينة وطغيانها وبين إدراك الشخص لاستحواذ هذه المشاعر عليه وهذا ما يسمى بالذكاء العاطفى وهو سرعة إدراك الشخص لمشاعره الخاصة فور وقوعها، وهو ما يسمى الإدراك الذاتى أو المراقبة الذاتية للمشاعر المضطربة وذلك للتحكم فيها والسيطرة عليها.

على سبيل المثال، هناك فارق بين طغيان مشاعر الغضب وتملكها للشخص والإدراك الذاتى بأن هذا الشعور الذى اعترانى هو شعور بالغضب.

فيقول جولمان: إن الناس نمطان فى استشعار مشاعرهم والتعامل معها، أولهما الإدراك الذاتي؛ فيدرك هذا الشخص الحالة المزاجية التى يكون فيها، فهو فى صحة نفسية جيدة ومستقل ويملك تفوقا فى حياته العاطفية فعندما يسقط فريسة حالة مزاجية سيئة لا يسمح لها بأن تتملكه وتستحوذ عليه، وسرعان ما يجد لنفسه مخرجا منها، باختصار يمكن القول إن هذا الشخص يقظته العقلية تساعده على التحكم فى عواطفه.

وثانيهما، الغرق أو فقد السيطرة وهو الشخص الذى يشعر بطغيان مشاعره عليه وكثيرا ما يجد نفسه عاجزا عن الإفلات منها كما لو كان قد سلّم زمام أموره لحالته المزاجية، والنتيجة هى أنه لا يبذل إلا جهدا قليلا فى محاولة هروبه من حالته المزاجية السيئة، فلا يملك أى سيطرة على حياته العاطفية فيشعر بطغيان مشاعره عليه وبفقد التحكم فيها تماما.

وللأسف نحن نقابل هذا الصنف الثانى بكثرة فى حياتنا بشكل عام، بل ونعانى من تبعات عدم تمكينه لعقله فى السيطرة على مشاعره، وأقول للأسف لأن فقد السيطرة على المشاعر السلبية السيئة وتركها تتحكم فى إدارة زمام الأمور قد لا يضر الشخص نفسه فقط، بل تتعدى ذلك إلى إيذاء الآخرين بشكل أو بآخر.

والأمثلة فى ذلك كثيرة، فالشخص الحاقد أو الحاسد أو حتى الكاره تجد سلوكياته معبرة تماما عن مشاعره البغيضة فيتمنى فى قرارة نفسه زوال نعمتك، فيغضب ويهتاج بشدة إن ذُقت الفرح أو مسّك الخير أو حققت نجاحا، ولا يقتصر فعله فقط على هياج نفسى داخلى ناتج عن مشاعر بغيضة تجاهك، بل أحيانا يتعدى ذلك إلى تعمد إيذاء الآخرين وتشويه صورتهم والتقليل من إمكانياتهم والسعى دوما لانتزاع ما فى أيديهم، لاستكثار النعم عليهم، أما الكاره أيضا فلديه معضلة كبيرة لأنه وبكل أسف تجده لا يستطيع أن يسيطر على مشاعر الكراهية المتمكنة منه والمسيطرة على عقله تجاه أحدهم.

فنصيحة أقولها للذين يُغلبون مشاعرهم السلبية على سلوكياتهم تجاه الآخرين، مغلبين فى ذلك عواطفهم على عقولهم، إن كنتم قد فشلتم فى تطهير نفوسكم أو قلوبكم من أمراضهم ودنسهم فعلى الأقل حاولوا ألا تطغوا أو تظلموا، فغلبوا عقولكم على قلوبكم، وافصلوا ذاك عن ذاك، وبرئوا أفعالكم من إثم قلوبكم، وطهروا سلوكياتكم من دنس نفوسكم، فمن أعطاكم الحق أن تحرموا الناس حقوقها لمجرد كرهكم لهم أو حقدكم عليهم؟

[email protected]