حتى نلتقى
فى 14 نوفمبر من عام 1889 ولد عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وفى 28 أكتوبر من سنة 1973 رحل الرجل صاحب أنصع سمعة فى تاريخنا الثقافي، فهل تعرف كيف تعاملت السينما مع إبداعه القصصى والروائي؟ وكيف قدمته هو شخصيًّا على الشاشة؟ وهل اقتحم صاحب (الأيام) دنيا السينما وعمل بها كما خاض مجالات الرواية والنقد والترجمة، علمًا بأن سطوع نجم الرجل ترافق مع انطلاق صناعة السينما فى مصر؟
أجل... لقد شاهد الجمهور المصرى أول فيلم روائى عام 1923 وهو (فى بلاد توت عنخ آمون) للمخرج الإيطالى فيكتور روسيتو، ثم توالت الأفلام بعد ذلك، وكان طه حسين قد عاد من أوروبا عام 1919 ليلتحق بهيئة التدريس فى الجامعة المصرية الوليدة، وعندما عرض أول فيلم مصرى ناطق (أولاد الذوات) لمحمد كريم فى عام 1932، تعرض طه حسين لحملة شعواء من قبل الحكومة، فأقالته من منصبه، حيث كان عميدًا لكلية الآداب!
أرأيت... كيف سارت الصناعة والرجل فى زمن واحد؟ ومع ذلك، فقد تأخرت السينما طويلا حتى انتبهت إلى أعماله، وذلك عندما أقدم المنتج والمخرج إبراهيم عز الدين على تحقيق فيلم (ظهور الإسلام)، وقد كتب فى مقدمة الفيلم هذا النص بالحرف (إبراهيم عز الدين يقدم ظهور الإسلام «الوعد الحق» قصة وحوار عميد الأدب العربى طه حسين باشا).
لم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث جاء فى مقدمة الفيلم أيضًا (سيناريو طه حسين باشا/ الأستاذ إبراهيم عز الدين)، أى أن صاحب (الفتنة الكبرى) كتب السيناريو والحوار لفيلم سينمائى عرض للمرة الأولى فى 19 إبريل عام 1951، أى بعد أن نال الرجل رتبة الباشوية من الملك فاروق وتقلد منصب وزير المعارف فى حكومة الوفد. وبالمناسبة صاغ طه حسين الحوار بلغة عربية فصحى بالغة الرشاقة، فانظر كيف كان الناس يقبلون على مشاهدة أفلام ينطق أبطالها بلسان عربى مبين!
المرة الثانية التى ازدانت بها الشاشة باسم طه حسين حدثت فى 1959 عندما أقدم المخرج بركات على إنتاج فيلم (دعاء الكروان) وإخراجه، حيث كتب فى المقدمة (القصة الخالدة للدكتور طه حسين)، وقد حُذف لقب الباشا بعد أن ألغى نظام يوليو 1952 تلك الألقاب العثمانية.
فى هذا الفيلم استمع الجمهور إلى صوت طه حسين شخصيًّا وهو يلقى آخر عبارة فى الفيلم بعد مصرع أحمد مظهر، بينما صوت الكروان يضيء الفضاء بدعائه الشهير. قال الأستاذ العميد بصوته الرخيم: (دعاء الكروان... أترينه كان يُرجّع صوته هذا الترجيع حين صُرعت هنادى فى ذلك الفضاء العريض).
أما آخر مرة تناولت فيها السينما أحد أعمال طه حسين، فكانت عام 1970 حين تصدى بركات لإخراج فيلم (الحب الضائع) وقد كتب فى المقدمة بالحرف (قصة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين)، والفيلم كما تعرف بطولة سعاد حسنى ورشدى أباظة وزبيدة ثروت.
فى 1979، أى بعد رحيل العميد بست سنوات عرضت سينما ديانا فى 19 فبراير فيلم (قاهر الظلام) للمخرج عاطف سالم، وهو يتناول قبسات من سيرة طه حسين، حيث تقمص النجم محمود ياسين شخصية العميد، وفى نهاية الفيلم كتب على الشاشة (تحية للرجل الذى قهر الظلام).
وفى ذلك العام أيضا عرض المسلسل التليفزيونى (الأيام) ولعب دور طه حسين الفنان أحمد زكي.
حقا... لقد قهر الأستاذ العميد ظلمة المصريين وأنار لهم طريق العقل والعلم، لكن مع عصر مبارك اختفى طه حسين تمامًا من على الشاشة، لا قصصه ولا سيرته، وظهر نجوم جدد بملابس العصور الوسطى، فاحتل الفضائيات أصحاب اللحى والعمائم، وسقطت مصر العظيمة فى مستنقع الجهل والتخلف.