رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

 

 

الحكايات القديمة مليئة بالعبرة والحكمة اللطيفة، التى لا تدرى وقت وقوعها أنه يمكن أن تكون صالحة فى المستقبل لتفسير مواقف أو حوادث.. وهى فى العادة حكايات بسيطة وغير عميقة.. ولكن يكفيها أن تكون إنسانية!

وأيام الثانوية العامة، فى مدينتى نجع حمادى التى لم تبرحنى أبدًا مع أننى بارحتها منذ سنوات لم أعد أحصيها من كثرتها.. كنا مجموعة من الأصدقاء، بيننا صديق يكبرنا بسنوات وقد تعرفنا عليه لأنه زاملنا فى درس خاص للغة الفرنسية ليس حبًا فى الفرنساوى ولكن حبًا فى فتاة تسكن بجوار مدرس الفرنساوى.. وصديقنا هذا، وهو من إحدى القرى المجاورة، من عائلة كبيرة، وغنية، تمتلك عشرات الأفدنة وعصارات القصب.. ويكاد يكون هو الذى يصرف علينا جميعًا.. فى وقت كنا لا نملك فيه سوى قروش قليلة فى جيوبنا لا تزيد على جنيه أو اثنين على الأكثر، كان هو يخرج من جيبه حزمة من عشرات الجنيهات الحمراء ليدفع ثمن المشاريب على المقهى، وسندوتشات الجبنة الرومى واللانشون.. وثمن السجائر وتذاكر دخول سينما النيل، وكان أشهر واحد من بين طلاب الثانوية العامة فى ذلك الزمان لأنه أقدمهم.. ومع ذلك لم يكن يشعر بأى مهانة أو بأنه أقل من أصدقائه لسقوطه المتكرر فى الثانوية.. وكان يكفيه أنه فى الثانوية وهو ما يجعله متميزًا بين أقرانه فى قريته لأنهم جميعًا لم يدخلوا مدارس ولا يعرفون القراءة والكتابة!

وفى أحد الأيام كنا نذاكر فى البيت الذى يسكنه صديقنا هذا، فى شارع الجنينة، وهو فى الحقيقة ليس شارعًا واحدًا ولكنه مجموعة من الشوارع الضيقة، بيوتها قديمة متهالكة، ومع إن مقدرته المالية تمكنه من استئجار شقة كاملة فى مناطق نجع حمادى الجديدة.. ولكنه يسكن فى غرفة فى بيت قديم لأنه يشبه منزلهم فى القرية.. وجاء يومها والده لزيارته حاملًا لفة كبيرة.. وتأملنا فى وجبة فاخرة من الكباب والكفتة ولكن بعد دقائق شممنا رائحة نعرفها جميعًا كأبناء المدينة و«زهقانين» منها.. سندوتشات فول وطعمية وهى الأكلة المفضلة للقادمين من القرى إلى المدينة!

وبعد أن أكلنا السندوتشات على مضض، رجع والد صديقنا بظهره ليسنده على الحائط المدهون بالجير الزهرى وهو يقول بكل فخر: «ما تشدوا حيلكم يا ولاد علشان تكونوا فى الثانوية زى ولدي».. ويهز صديقنا رأسه وهو يبتسم خجلًا من مديح والده.. ونحن ننظر لبعضنا ونحاول كتم ضحكاتنا.. فالوالد مقتنع أن الثانوية العامة هى قمة التعليم ولا شيء بعدها.. واستمرار ولده فيها حتى ولو لمدة «قرن» هو قمة النجاح، وصديقنا يعلم أنه أخيب واحد بين كل طلاب الثانوية العامة فى نجع حمادى منذ أكثر من خمس سنوات.. ولكنه يرى نفسه الأفضل.. لأنه فوق جميع الفلاحيين الأميين فى قريتهم!

هكذا الأهلى والزمالك.. الأهلى يرى أن حصوله على الدورى لسنوات طويلة، يعنى أنه ناجح وفوق الجميع ونادى القرن، وفى المقابل الزمالك يرى نفسه أنه الأفضل لتقدمه على الأهلى وكل أندية الدورى الأخرى بحصوله على الدرع هذا العام، مع إن كل الأندية فى حالة يرثها لها.. وكلا الناديين يجهل أن هناك مستوى آخر من كرة القدم فى أوروبا لا يعرفونه، وإن مباراة النادى الأهلى الأخيرة مع فريق مثل بايرن ميونيخ فى كأس العالم للأندية قطر 2021 كانت فضيحة لأنها كشفت الفرق بين العشوائية والفوضى والجهل، وبين الدقة والنظام والعلم فى اللعب.. وحتى لا نذهب بعيدًا بخيالنا فى قارة أخرى فإن الكثير من فرق افريقيا تفوق الناديين بمراحل، والدليل أن المنتخب الوطنى، وهو الذى يتكون كله تقريبًا من لاعبى الأهلى والزمالك، كانت مباراتاه الأخيرتان مع فريق الجابون، وقبلها أنجولا ترجمة عملية وتطبيقية لمستوى نجاح الناديين الوهمى، وإن صراع الإعلاميين والصحفيين عليهما هو صراع مخادع وباطل يتم إقحام جماهير الفريقين فى معركة خاسرة وضارة ومضرة.. إلا إذا كانوا يقصدون إلهاء الناس بقضايا تافهة!

 [email protected] com