رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

علينا أن نفاخر بنجيب محفوظ لا بوصفه أعظم أديب مصرى وعربى فى الألف عام الأخيرة فحسب، بل باعتباره أيضا رائدًا من رواد فن السيناريو السينمائى فى مصر، فالرجل الذى تمر اليوم الذكرى الخامسة عشرة لرحيله أسهم بنصيب مدهش فى تطوير فن السيناريو ليغدو أكثر إحكامًا ومنطقية. والسيناريو باختصار شديد هو وصف المشاهد السينمائية بدقة وكيفية تتابعها على الشاشة بأسلوب جذاب ومثير وممتع.

منذ عرض أول فيلم روائى مصرى وهو (فى بلاد توت عنخ آمون) عام 1923 للمخرج الإيطالى فيكتور روسيتو، وحتى اقتحام نجيب محفوظ لعالم السينما سنة 1947، وفن السيناريو يتأرجح بين مستويات مختلفة لا تصل إلى مرتبة الامتياز إلا فيما ندر مثل أفلام (سلامة فى خير/ سى عمر/ ليلى فى الظلام/ غرام وانتقام)، فلما هلّ يوم 11 أغسطس سنة 1947 اكتشف الجمهور الحصيف أن تحولا يجرى فى فن السيناريو، ففى ذلك اليوم الموعود عرض فيلم (المنتقم) الذى كتب له السيناريو نجيب محفوظ بالاشتراك مع مخرج الفيلم صلاح أبوسيف.

نجح فيلم (المنتقم) الذى لعب أدواره الرئيسة كل من أحمد سالم ونور الهدى ومحمود المليجي، وأثبت محفوظ حضوره بقوة على الشاشة (كان قد أصدر حتى ذلك العام مجموعة قصصية واحدة وست روايات آخرها زقاق المدق). وهكذا واصل الروائى الفذ كتابة السيناريو بمفرده أو بمشاركة آخرين، ففى 13 ديسمبر سنة 1948 عرض فيلمه الثانى (مغامرات عنتر وعبلة)، حيث شارك بكتابة السيناريو مع فؤاد نويرة ومخرج الفيلم صلاح أبوسيف، ثم فى 1951 عرض فيلم (لك يوم يا ظالم) الذى شارك محفوظ مخرجه أبوسيف فى كتابة السيناريو، وتوالت أعماله فى السينما مثل (ريا وسكينة) و(الوحش) و(جعلونى مجرمًا)، كما كتب محفوظ القصة السينمائية، أى المخصصة للسينما ولم تصدر فى كتاب مثل (فتوات الحسينية 1954)، و(درب المهابيل 1955)، و(بين السماء والأرض 1959) وغيرها كثير.

من مفارقات القدر أن رواية (أولاد حارتنا) التى نشرت مسلسلة فى جريدة الأهرام عام 1959، واتهم فيها المتشددون نجيب محفوظ بأنه يتجاوز اللائق مع الأديان، أقول من المفارقات إن هذا العام شهد عرض فيلم (الله أكبر) الذى كتب له السيناريو نجيب محفوظ نفسه، وهو فيلم أخرجه إبراهيم السيد ويتناول بذكاء كيف استطاع الدين الإسلامى الجديد أن ينتصر بالحب والرحمة والعدل على جبروت حاكم مستبد يعبد الأوثان ويسيطر على إحدى مناطق شبه الجزيرة العربية، ويفرض على أهلها ضرائب باهظة وعذابات مستمرة. أى أن المتطرفين الذين أدانوا (أولاد حارتنا) وقادوا السذج ليقذفوا آنذاك مبنى جريدة الأهرام بالحجارة، لم ينتبهوا إلى الفيلم الذى كانت دور السينما قد بدأت تعرضه فى 23 مارس 1959، وكيف أن كاتب سيناريو هذا الفيلم رجل مترع قلبه بإيمان كبير!

المدهش أن صاحب (الحرافيش) لم يجد أية غضاضة فى أن يكتب سيناريوهات لروايات أبناء جيله لتتحول إلى أفلام جميلة مثل: (أنا حرة 1959) لإحسان عبدالقدوس، كما أعدّ قصة (إمبراطورية م) للسينما عام 1972 التى كتبها إحسان.

يبقى نقطة بالغة الأهمية لا يلتفت إليها كثير من الناس، وهى أن نجيب محفوظ لم يكتب أبدًا أى حوار للأفلام التى أنجز لها السيناريو أو صاغ قصتها السينمائية بنفسه، أو لأى فيلم آخر، وقد شرح صاحب (الثلاثية) الأمر، فقال: (إن السينما تستلزم إجراء الحوار باللهجة العامية، وأنا لا أستطيع عمل ذلك)، وبالفعل فمحفوظ لم يستخدم فى رواياته اللهجة العامية إلا فيما ندر، رافعًا دومًا شعار أن الفصحى خير وأبقى.

فى الذكرى الخامسة عشرة لغياب صاحب (رحلة ابن فطومة) ينبغى أن نهتف... عاش نجيب محفوظ.