رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤى

 

 

 

 

قبل ظهور الجنرال الذى تعود أصوله إلى أبوين شركسيين، كان الشعر فى مصر والبلدان العربية قد بلغ درجة من التردى والانحطاط، غرق لمدة خمسة قرون فى الصنعة والركاكة والتكلف، لم يترك الشعراء لونًا من ألوان البديع، باتفاق الباحثين، إلا وحشروا القصائد بها، مثل التضمين، والتطريز، والتأريخ، والتشطير، والتورية، والتصحيف، والالغاز، والجناس، وخلت موضوعاته من الروح والعاطفة، وتراوحت لغته بين الفصحى والعامية.

وفجأة ظهر الجنرال الشركسى وأزال غبار العصور العثمانية عن ركاكة الشعر وصناعته، ورده إلى مصادره الأولى فى أزهى عصورها. تمثل القديم ورمز به إلى عاطفته، محتفظا فيه بشخصيته، فرد إلى الشعر العربى أساليبه الناصعة، معبرا به عن الحاضر المعاش فى مجالاته المختلفة، برع فى الوصف، وكان رائدا فى الشعر السياسي، الذى استنهض فيه الهمم، وحث المصريون على مناهضة المستعمر والبحث عن الحرية.

هذا الجرنال هو الشاعر محمود سامى البارودي(ت 1904)، أو رب السيف والقلم، حسب تسمية الباحثين له، ولد فى مدينة ايتاى البارود بمحافظة البحيرة، فى سنة 1839،لأبوين من الشراكسة، والشركس هم شعوب القوقاز والشيشان وغيرها ممن هاجروا إلى الأراضى العثمانية والعربية فيما بعد هربا من الروس، وقد حافظ بعضهم على لغتهم وقوميتهم فى بلدان المهجر، وهذه الأصول كان البارودى يفتخر ويعتز بها، ولكنها لم يكن لها الغلبة على عروبته ومصريته ووطنيته التى ضحى بالكثير من عمره من أجلها.

قبل المرحلة الابتدائية وخلالها تعلم البارودى الحساب واللغة العربية وحفظ بعضًا من القرآن الكريم، ثم التحق بالمدرسة الحربية، وكانت الدراسة بها باللغة التركية، ولم يستكمل الدراسة حتى النهاية، وتخرج من مفرزتها برتبة باشجاويش. وأخذ لقبه البارودى من المدينة التى ولد بها.

لم تكن موهبة الجنرال الشركسى وحدها الأداة التى ركن عليها فى رفع غبار الانحطاط عن لغة الشعر وتراكيبه، الموهبة وحدها مع خبرة وثقافة محدودة لن تخلق شاعرا ذي قيمة، الخبرات التى اكتسبها الجنرال الشركسى خلال حياته الوظيفية فى: وزارة الخارجية، وفى حاشية الخديوى وبديوان المكاتبات، وسلاح الفرسان، وخروجه إلى جزيرة كريت مع الجيش لإخماد الفتنة، ومشاركته فى حرب الدولة العثمانية ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا والصرب، وحصوله على رتبة لواء، ومن ثم تعيينه مديرا للشرقية ومحافظا للقاهرة، وتوليه وزارة المعارف، والأوقاف، ووزارة الحربية، ورئاسة الحكومة، ومشاركته فى ثورة أحمد عرابي، ومحبسه، ونفيه خارج البلاد، كل هذا أكسب الجرنال خبرة وثقافة لم تتوفر لغيره من الشعراء، فقد سمحت له بها المشاهدة والتأمل وقراءة ما لم يكن متاحا فى مصر.

[email protected]