رؤى
قبل تيودور هيرتزل بمائة عام، مردخاى مانويل الكاتب المسرحى والدبلوماسى دعا لإقامة دولة لليهود، واقترح سنة 1820 إقامتها فى الولايات المتحدة الأمريكية، واشترى قطعة أرض بالقرب من شلالات نياجرا، وأطلق عليها دولة أرارات، ودعا اليهود للإقامة بها، ولم تلق دعوته ولا مدينته هذه اقبالا من يهود أمريكا أو أوروبا.
وقبل هيرتزل ومردخاى اليهودى الأمريكى بمئات السنين، كان للمثقف العربى المسلم فضل اقتراح فكرة إقامة دولة لليهود، والمدهش أنهم أقاموها بالفعل لكن بشكل أدبى فى ليالى ألف ليلة.
فى الليلة الخامسة والثمانين بعد الأربعمائة، خلال رحلة بلوقيا فى البحث عن النبى محمد عليه الصلاة والسلام، التقى شاب يدعى جانشاه بن الملك طيغموس حاكم بلاد كابول، قص بلوقيا قصته، وحكى جانشاه حكايته، ملخصها انه خرج فى احدى الرحلات، وغرقت السفينة، كعادة سائر السفن فى الليالي، ونزل فى جزيرة القرود، ونصبته القرود عليها ملكًا، حاول الهرب هو والجند الذين نجوا معه من الغرق، وفى الجزيرة بالقرب من أحد الجبال، عثر جانشاه على لوح من المرمر، كتب فيه: «اعلم يا من دخل هذه الأرض، أنك تصير سلطانًا على هؤلاء القرود، وما يتأتى لك رواحًا من عندهم إلا أن رحت من الدرب الشرقى بناحية الجبل وطوله ثلاثة أشهر، وأنت سائر بين الوحوش والغيلان والمردة والعفاريت».. وفى نهاية اللوح كتب: «ثم تنتهى إلى نهر ييبس، وبجانبه مدينة أهلها كلهم يهود».
ما هى مساحة هذه المدينة؟ وما هو عدد سكانها؟ وما هى لغتهم؟، وفى أى قارة تقع؟ وهل هى خاصة بأتباع الديانة اليهودية فقط؟، وما هو نظام الحكم بها؟، وهل قوانينها تطبق الشريعة الموسوية أم قوانينها مدنية؟، هل تعتمد على الزراعة والصناعة والتجارة فى اقتصادها؟، ولماذا ذكرت فى الليالي؟، هل تم إقحامها أم كان لها سياقها الخاص بها؟، وهل صياغتها تمت بعقلية عربية يهودية أم عربية إسلامية؟، ما الفرق بين شوارعها وشوارع وأزقة المدن العربية؟ هل تقع على بحر أو محيط أم وسط جبال؟.
بعد أن انتهى جانشاه من قراءة نص اللوح اختلى بجنوده وقال لهم: أريد أن نهرب ونخرج إلى وادى النمل ونسير إلى مدينة اليهود، لعل الله ينجينا من هؤلاء القرود، وبالفعل سار حتى النهر ورأى بجانبه مدينة عظيمة وهى مدينة اليهود التى رآها مكتوبة فى اللوح، فأقام هناك حتى يوم السبت، جفت المياه فى النهر، فعبر النهر حتى وصل إلى مدينة اليهود، فلم ير فيها أحدًا، مشى فيها حتى وصل إلى باب بيت، فتحه ودخل، للحديث بقية.