رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

 

 

أثار مسلسل «لعبة نيوتن» قضية الطلاق الشفهى وتعقيداته، والحق أن نسبة الطلاق فى مصر باتت مخيفة... كل دقيقتين وإحدى عشرة ثانية تحدث حالة طلاق وفقا لما أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عام 2019، الأمر الذى يعنى أننا نستعد لاستقبال أجيال بائسة نفسيًا، تلك الأجيال التى شهدت انفصال الأبوين وهم أطفال أو فتيان وفتيات!

أتحدث هنا عن الطلاق الذى يقع بين زوجين استمتعوا بنعمة الذرية، أما الأزواج الذين انفصلوا وهم محرومون من الأبناء، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ما لا يدركه بالقدر الكافى الزوج أو الزوجة أن الطلاق يزلزل الجهاز النفسى للأبناء طوال حياتهم، بغض النظر عن من المتسبب فى الطلاق ويصر على إتمامه: الزوج أم الزوجة، علمًا بأننى موقن بأن المرأة فى بلادنا «مغلوبة» على أمرها، لأن المجتمع بقوانينه وعاداته وثقافته منحاز تمامًا للرجل، ومع ذلك، فالطلاق تجسيد فج لأنانية من يسعى إليه ويصر على إتمامه، وسأشرح ذلك توًا.

بحسبة بسيطة سنفترض أن الطلاق تم والزوج عمره خمسة وأربعون عامًا، والزوجة فى الأربعين، ولديهما ثلاثة أبناء أعمارهم 18، و15 وعشر سنوات. وبفرض أن كل فرد من هذه الأسرة سيعيش سبعين عامًا مثلا، وأن الزوج هو الذى قرر تطليق زوجته، نكتشف الآتي: إنه عاش نحو 25 سنة بعد الطلاق كلها سعادة وهناء مع زوجة أخرى أو بدون زوجة. لكن الحزن والقلق والشك سيغمر أبناءه الثلاثة بامتداد مسيرتهم مع الحياة، وهكذا سيعيش هؤلاء الأبناء الثلاثة المساكين نحو 137 سنة فى تعاسة، رغم أننى لم أحسب الثلاثين سنة غم التى ستقضيها زوجته المطلقة!

الأنانية نفسها تتكرر إذا أصرت الزوجة الأربعينية على الطلاق: فكى تحيا الزوجة نحو 30 سنة فقط بحرية بعيدًا عن هذا الزوج المزعج، ستضحى بالاستقرار النفسى لأبنائها على مدى 137 سنة قادمة هى مجموع عمر كل واحد من هؤلاء الأبناء لو عاش 70 سنة كما افترضنا.

طيب، هل يمكن لزوجة أن تتحمل زوجًا خائنا عصبيًا أو باردًا أو بخيلا أو أو؟ وكيف يمكن لرجل أن يتحمل زوجة نكدية أو ثرثارة أو منسحقة أمام جبروت أمها أو تفشى أسرار زوجها لوالدتها أو أو؟ ألا يكون الطلاق هنا أفضل كى لا تتفاقم المشكلات بينهما أمام الأبناء؟

الحق أن كل مشكلة تهون إلا خيانة الزوجة، أما أى صفة مرذولة أخرى هنا أو هناك، فيمكن التعايش معها وتهذيبها قدر الطاقة إذا أدرك الزوجان أنهما مجرد وسيلة لصناعة مستقبل آمن نفسيًا واجتماعيًا للأبناء، لأن الأمهات والآباء صاروا يمثلون الماضى بمجرد الإنجاب، أما الحاضر والمستقبل فهم الأبناء، ولكن ما يحدث هو أن الطرف الساعى إلى الطلاق لا يملك الحكمة الكافية ليرى الصورة بأكملها، فيمضى فى طريق الانفصال بإصرار مسكونا بأنانية مفرطة مدمرة تضحى بسعادة الأبناء من أجل أن يقتنص هو، أو هى، سعادة مؤقتة لن «ينعم» بها سوى أعوام قليلة، بينما أبناؤهما صادقوا التعاسة منذ انشطرت الأسرة، وإلى الأبد أيضا.

باختصار... أظن أنه على كل طرف أن يتحمل عيوب الطرف الآخر مادام لديهما أبناء، والزمن كفيل بتجاوز العطب الذى زلزل استقرار الحياة بينهما، لكن من المحال أن تصلح السنوات مهما طالت الخلل النفسى الرهيب الذى يصيب الأبناء وهم يرون إقدام الأب أو الأم على تمزيق الأسرة بإصرار وعناد بحجج كلها أنانية!

فى مسلسل «لعبة نيوتن» ذاق الزوجان لذة التسامح بعد ثلاثين حلقة من العناد والخلاف والعصبية والجنون، وتصالحا من أجل ابنهما، لأن الأبناء هم المستقبل، أما الآباء والأمهات فيمثلون الماضى، فلا تدمروا المستقبل بأنانيتكم.