رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤى

 

 

 

الندابة غير النداهة، الأولى إنسية، وهى أمك وأختك وزوجتك وعمتك وخالتك وجدتك وابنتك وزميلتك وخطيبتك وحبيبتك وجارتك، والثانية والعياذ بالله جنية، انثى الجن، تظهر ليلًا، من بعد صلاة العشاء وحتى قبل صلاة الفجر، تطلع من الغيط، من بيت قديم، من خرابه. فجأة وأنت ماشى بمفردك تسمع صوت يناديك باسمك:

ــ يا حسن.. يا بطرس

جسمك يقشعر، ركبك تخبط، ونصيحة حط طرف جلبابك بين أسنانك وقول: يا فكيك، لو وقفت أو التفت أو صغرت عقلك ورحت تجاه الصوت قول على عقلك يا رحمن يا رحيم، كل الحكايات التى سمعتها زمان قالت كده.

بفضل الله عاصرت فى قريتنا، قبل أكثر من خمسين سنة، الندابة والنداهة، وشاهدت بأم عينى الندابة، كانوا يستدعونها فى المياتم، تدخل الدار وتقعد وسط النساء، تندب وتعدد، تستدعى بعض الصفات الحسنة والخيرة والطيبة للميت، إن كانت له حسنات، وترددها فى صياغات عامة تثير مشاعر النساء، وبعون الله ينقلب البيت إلى دمار، صوات، وصراخ، وتعديد، وبكاء، ولطم، وشد شعر، ومرمغة فى التراب، أجارك الله، فرصة تفرغ كل امرأة ما بداخلها من غضب وألم وحزن ونكد، وبعد أن تنتهى الليلة تعود إلى بيتها، الله ينور، عامله دماغ.

ونحن أطفال كنا نجلس على مسافة من مندبة النساء، نتابع، ونرصد، ونبكى، ونضحك، ونسخر، وكثيرًا ما كنا نقلد بعض النساء، ونعاير بعضنا البعض بما تفعله الأمهات: شفت أمك وهى بتشد شعرها.

النداهة أنثى ولكن من الجن، أكذب عليكم لو قلت إننى رأيتها أو سمعتها، وأكذب أيضاً لو قلت إننى شاهدت أحدًا ممن قابلوها أو سمعوها، كل ما أعرفه وعاصرته بعض الحكايات، تروى فى المساء مع قصص المارد والعفاريت وغيرها مما يظهر فجأة ليلًا خلال الصمت والسكون والظلمة، من يقصها علينا كان يستخدم المؤثرات الصوتية، تمامًا مثل الموسيقى التصويرية، يخشن صوته، يخفضه، يهمس، يقلد صوت امرأة، وكنا نرتعد فى مجالسنا، ونخشى دخول دورة المياه، سامحهم الله أقسموا لنا أن الجن، والعياذ بالله، يسكن فى الكبانية، الكنيف يعنى، والخربات والأماكن المهجورة.

اختلفوا على شكل الجنيه، قيل: يقال إنها جميلة، لم يحددوا شكلًا بعينه، لم يرها أحد، ما اتفقت عليه الحكايات أنها مجرد صوت، المرأة الصوت، تنادى عليك من قلب الغيط أو الخرابة، ونصحونا ألا نلتفت ولا نستمع، ونضع طرف الجلباب بين أسناننا ونقول يا فكيك.

أعتقد والله أعلم أن وظيفة الندابة اختفت فى القرى والمدن، فقد اكتفى الرجل بزوجته أو أمه أو خالته أو جارته، فالمرأة ندابة بطبعها، فى حياته بتندب وفى مماته قد تلعن سلسفين أبوه، وكله ندب.

وأعتقد أيضاً والعلم عند الله أن الكهرباء قضت على ظاهرة المرأة الصوت، الجنيه، وسجنتها فى الحواديت والحكايات، وأغلب الظن أن مشروع تطوير القرى الجارى حاليًا سوف يقضى عليها تمامًا فى خط الصعيد، قولوا: يا رب، علشان العيال تعرف تدخل الكبانية ليلًا.

[email protected]